«سفراء النوايا الحسنة» صفة إنسانية مهذبة، بالغة النقاء، تنطوي على مقدار كبير من مشاعر التعاطف والتسامح، غير أن هذه النوايا الحسنة تسلك، وفق ما نرى على الشاشات الفضولية، مسارات دعائية فجة لا تخدم قضية اللاجئين بمقدار ما تلمّع صورة السفراء الذين يصبحون رموزاً في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان، بعدما كُرِّسوا كرموز في مجال الفن. شخصيات مشهورة كثيرة، على مستوى العالم، نالت هذا اللقب، وراحت توظف نجوميتها في سبيل لفت الأنظار إلى قضايا اللاجئين. ولعل آخر الأخبار في هذا الصدد هو ما جاء من تركيا، إذ زارت النجمة العالمية أنجيلينا جولي مخيم ألتينوزو للاجئين السوريين في تركيا، حيث يقيم نحو 700 لاجئ من مجموع 10 آلاف لاجئ أُرغموا على الفرار من بلادهم، نظراً لتردي الأوضاع الأمنية في سورية. أظهرت الصور «البريئة» للنجمة العالمية، وهي تحنو برفق على لاجئين معدمين، وتمشي بخيلاء وسط مشاهد البؤس، تناقضاً صارخاً. ممثلة آتية من رفاهية الحياة ومن دروبها المضيئة ومحطاتها الأكثر أناقة وبذخاً وترفاً، تطل من عليائها على أفراد منسيين فروا من «جحيم نزاع مسلح» ولاذوا بأرض لا تؤمِّن لهم إلا بعض الأمان. السؤال هنا: أنى للحسناء الرافلة في نعيم لم يختبره قط هؤلاء اللاجئون، أن «تعيد البسمة إلى شفاههم»؟، كما قالت الأخبار، وكيف لها أن تمنح الأمل لعيون أطفال خائفين، ونساء لفظهن القدر إلى ضفة مجهولة ملؤها القلق والحرمان؟ الخبر عن زيارة جولي إلى مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا ليس جديداً، فثمة أخبار مماثلة كثيرة عن شخصيات زارت مخيمات في قارات العالم للتخفيف من معاناة اللاجئين، والإصغاء إلى صوت أوجاعهم. لكن الأمر المؤلم، الذي تغفل عنه الفضائيات، هو أن مثل هذه الأخبار تُعَدّ «متاجرةً»، ربما غير مقصودة، بهموم اللاجئ، و»انتهاكاً صارخاً لخصوصيته»، إذ يغدو سفير النوايا الحسنة مجرد «سائح يعشق جمع الصور»، بينما يتحول اللاجئ إلى مجرد رقم ضائع في أجندات الساسة والمسؤولين، بل إلى أداة تعطي السفراء الزائرين المزيد من النجومية، هو الذي لا يملك شيئاً يعطيه سوى روحه المثقلة بالخيبات! الاهتمام بقضية اللجوء مطلوب، وعلى أعلى المستويات، لكن تحويل القضية إلى مادة إعلامية مشوقة بطلتها انجلينا جولي وأقرانها، يفرغها من مضمونها الإنساني الخاص، ذلك ان اللافت في مثل هذه التغطيات هو أن التركيز على حركات السفراء وابتساماتهم وأحاديثهم وتعابير الحنان على وجوههم وهم يتجولون في المخيمات المعدمة، تفوق كثيراً التركيز على أنين اللاجئ وصوته الخافت ونبرته الباكية وهو يتطلع بعيون دامعة إلى غد أفضل يمارس فيه حياته الاعتيادية، الآمنة، بعيداً من الكاميرات الفضولية... وهو، إنْ كان معجباً بجولي، فالأرجح انه يتمنى أن يراها ممثلة بارعة في فيلم متخيَّل، لا بطلة في واقع مرير.