النجمة الأميركية آنجلينا جولي تزور مخيماً للاجئين السوريين في تركيا. آنجلينا جولي تزور ضحايا فيضانات باكستان. آنجلينا جولي تزور مخيم نازحين شمال بغداد. آنجلينا جولي تزور مخيم الزعتري في محافظة المفرق الأردنية. آنجلينا جولي تحث جيران سورية على إبقاء حدودهم مفتوحة للاجئين. فمن آنجلينا جولي؟ هي المرأة التي اختارتها مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة لتكون مبعوثتها الخاصة، وهي المرأة التي استحقت وبجدارة المنصب التشريفي كسفيرة الأممالمتحدة للنوايا الحسنة، فهل انفردت النجمة بهذه المكانة دون غيرها؟ وهل وقع عليها الاختيار ولم يقع على غيرها من أهل الفن والرياضة؟ على الإطلاق. فكما انتقت الأممالمتحدة ممثلتها من الوسط الفني كشخصية معروفة ولها جمهورها ومستمعوها، كذلك كان الاختيار الأممي لغير آنجلينا، لرجال عرب ونساء عربيات، فأين هم؟ آخر عهدنا بهم عند الإعلان عن اختيارهم وتصويرهم مع المندوب الأممي، أمّا ممارسة العمل الميداني ومباشرة مهمات المنصب كما يجب فتبقى من نصيب آنجلينا جولي وزميلها جورج كلوني. المُحرج في المسألة أن المدام جولي حين كانت تقوم بواجبها الإنساني المشرِّف، كنا في شرقنا الربيعي نتابع زياراتها على الشاشات وفي الصور فنعلِّق على جمالها وتواضعها، ولا نرى حاجة للمقارنة، فأوضاعنا على السطح هادئة أو هكذا تبدو، فلم نتعود على نسائنا وإن كنّ السفيرات أن يرسلن بأنفسهن إلى أماكن الكوارث ومناطق الحروب، أمّا الأميركية جولي فليس بمستغرب عنها، فهي إنما تمثل ثقافة بلادها، إلى أن انقلبت الآية ودخلت الكوارث الإنسانية عقر ديارنا، ولا تزال آنجلينا تقوم بزياراتها وتفقداتها وانتقاداتها، ولا نزال نتابعها على الشاشات وفي الصور، ولا حس ولا خبر عن نسائنا السفيرات، فأين تبخرن؟ لم ننتظر منهن أن يظهرن في أفغانستان أو بورما مثلاً، فاللاجئون هذه المرة في مخيم الزعتري في الأردن، ومع ذلك هو الاستهتار نفسه وعدم الشعور بالمسؤولية، أمّا الرجال فآخر ما وصلنا عن شهامتهم جهودهم المشكورة في ستر اللحم السوري، وزواجهم من أولات المهجّرات، فلم وقفت المرجلة الانتقائية على نساء سورية، وأسقطت نساء الصومال من الحسبة؟ أهي النوايا الحسنة أم الموجهة؟ ولكل امرئ ما نوى! ينبغي على منظمة الأممالمتحدة أن تدرس اختياراتها لسفرائها أكثر مما هو حاصل، فتاريخ المرء ينبئ عن أسلوبه المتوقع في تعاطيه مع الأمور، وليس كل من مارس فناً أو رياضة صار مؤهلاً للارتقاء بإنسانيته أو ثقافته، هذه ناحية، أما وللموضوع أكثر من جانب، فلابد أن نتطرق إلى عامل السياسة التشجيعية، فلا يمنح أحدهم لقب سفير للنوايا الحسنة ثم يُترك في حال سبيله، ولكن يُتابع ويُعاتب من المسؤول الأممي، ثم يكافأ أو يعاقب على الإهمال بسحب اللقب منه بعد السنة الأولى، ولا مانع أن يتدرّج بند المكافآت بألقاب اعتبارية، فتستحق آنجلينا جولي أن تكون السفيرة الألماسية للنوايا الحسنة، وغيرها لا تخرج جهوده عن الفضية مثلاً، طبعاً النحاسية التي يستحقها سفراؤنا اليوم لا تدخل ضمن التصنيف للأسف، وإلاّ لكانت محجوزة سلفاً. آنجلينا جولي إلى انشغالها بعملها والتزامها بواجباتها تجاه أبنائها الستة حين قررت أن تتبنى نصفهم لتساهم في تخفيف معاناتهم، وانخراطها في تدابير حياتها مع رفيق دربها وتنقلاتهما المستمرة بحكم تصويرهما للأفلام، هذه الحياة الممتلئة بهذه المهمات وأكثر، لم تثنِ النجمة المشغولة والبعيدة جغرافياً عن استقطاع الوقت وتكلّف الجهد لقطع المسافات وزيارة اللاجئين السوريين مرتين في أقل من شهرين، بل والتبرع من مالها الخاص بما مجموعه مليون دولار، ومع كل هذا لو أن المنظمة الأممية دققت أكثر في اختياراتها العربية لوفقت في انتقاء من تصلح لمنصب سفيرة النوايا الحسنة عن جدارة وثقافة وامتلاء إنساني ومادي، أكثر من السفيرات الفاشلات حالياً، فكما أن لديهم آنجلينا، فالأكيد أيضاً أن نحظى بأكثر من آنجلينا ولكن أين هي؟ هذا ما على المنظمة الأممية التقصّي والبحث عنه بدقة وأمانة وضمير لا يعرف السذاجة. [email protected]