نيويورك - رويترز - يؤمن المصرفي جلول عياد أنه لبى حرفياً نداء الوطن من ردهة مبنى إداري في لندن بعد ظهر أحد الأيام في كانون الثاني (يناير) الماضي. فبعد أسبوعين من انتفاضة شعبية في تونس أنهت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الذي دام 23 سنة، أبلغ المصرفي الذي درس في الولاياتالمتحدة بأنه رشّح لمنصب وزير المال، وسط ضجيج أحد شوارع لندن عندما كان في طريقه إلى قطار الأنفاق. وقبل هذه المكالمة، كانت إذاعة محلية أعلنت تشكيل حكومة جديدة يشغل فيها عياد منصب وزير المال، وكان علم قبلها من مساعد رئيس الوزراء الموقت حينها محمد الغنوشي، أنه سيتلقى اتصالاً هاتفياً، متوقعاً أن يطلبوا مشورته لا أكثر. وقال عياد في مقابلة مع وكالة «رويترز» على هامش منتدى في نيويورك: «جاءتني المكالمة وأنا أخرج من مكتبي في الطريق إلى محطة قطار الأنفاق وكانت من رئيس الوزراء، قال لي تهانينا أنت وزير المال». وأضاف: «وافقت، ولبيت نداء الواجب، إنه نداء الوطن، غداً إذا أصبح نداء حزب من الأحزاب، لا أعرف ماذا سأفعل». ويحرص عياد على المحافظة على سمعته النزيهة وغير المرتبطة بأي حزب، وأمضى 23 سنة في العمل لدى «سيتي بنك» قبل أن يعيّن لدى «البنك المغربي للتجارة الخارجية» في الخليج ولندن. واحتفظ بحقيبته الوزارية في حكومتين انتقاليتين، ويعلن بقائه في منصبه إلى حين الانتهاء من التعديلات الدستورية على الأقل. ومع تركيزه على العمل بدلاً من الانشغال بالسياسات الحزبية، يؤكد أنه يتابع إعادة هيكلة اللوائح وقوانين المصارف، في مسعى إلى تنويع موارد الاقتصاد بدلاً من الاعتماد التقليدي على السياحة وصادرات السلع ذات القيمة المضافة مثل المنسوجات والمكونات الإلكترونية. وتوقع تراجع أعداد السياح إلى 3.5 مليون سائح مقارنة بسبعة ملايين سائح العام الماضي، عندما بلغت إيرادات القطاع 3.5 بليون دينار (2.55 بليون دولار). وقال: «إنه هدف استراتيجي، اليوم تساهم التكنولوجيا بنحو 25 في المئة من المنتجات المصدّرة ونريد رفعها إلى 50 في المئة». وأشار إلى أن 165 ألف عاطل من العمل من أصل 700 ألف في تونس، هم من حملة المؤهلات العليا وخياراتهم محدودة للوظائف، موضحاً أن قطاع السياحة يوظّف مليون شخص ويعيل ثلاثة ملايين في بلد يبلغ عدد سكانه 10.5 مليون نسمة. وتدفع تونس حالياً إعانة بطالة للمتعلمين بنحو 200 دينار شهرياً لمساعدتهم على مواصلة البحث عن عمل مع تطوير برامج للتدريب المهني والتعليم لإكسابهم المهارات. وفي اجتماع لحكومة رئيس الوزراء الموقت الباجي قائد السبسي قبل أيام، قال عياد إنه سيعرض خططاً لإنشاء «صندوقي استثمار كبيرين» للمساعدة في تنشيط التنمية الاقتصادية، مبدياً دهشته من عدم وجود صناديق استثمار ضخمة من هذا النوع. وسترعى الحكومة أحد الصندوقين، الذي سيركز على مشاريع البنية التحتية، أما الصندوق الثاني ويدعى «صندوق الأجيال» فستموله الحكومة بنحو 2.5 بليون دينار وسيعمل مع القطاع الخاص للاستثمار في تونس. البنك الدولي وكان البنك الدولي أعلن أول من أمس موافقته على قرض قيمته 500 مليون دولار للمساعدة في تنشيط الاقتصاد. ومن بين أولويات عياد الأخرى، تحقيق قدر من التناغم في النظام الضريبي الذي لا يحمّل شركات التصدير الخارجية سوى أعباء محدودة نسبياً، بينما يستقطع ما يصل إلى 30 في المئة من الشركات المحلية، وقال: «أرى فرصة لخفض تلك النسبة وتحسين الالتزام الضريبي بدرجة أكبر». ولفت إلى أن الانتفاضة والمواجهات العسكرية في ليبيا، الغنية بالنفط والواقعة في شرق تونس، أدت إلى عبور نحو نصف مليون شخص الحدود التونسية، لكن عدداً منهم تستضيفهم عائلات أو يقيمون في فنادق أو شقق مؤجرة. وتحاول الحكومة استيعاب ما بين 16 ألف لاجئ و17 ألفاً، معظمهم عمّال مهاجرون من إريتريا أو الصومال، عبروا الحدود ومازالوا في المخيمات، يضاف إليهم 45 ألف تونسي كانوا يعيشون في ليبيا وعادوا. وقال عياد: «دفعنا نحو 600 دينار للعائلة لعشرة آلاف عائلة و300 دينار للفرد، ومازلنا نعاني من بعض الضغوط في الموازنة لأسباب مختلفة».