ليس الفيلم تحفة سينمائية في حدّ ذاته، بل بالكاد يمكن اعتباره تحقيقاً تلفزيونياً جيّد الصنع. وهو، في احسن احواله لا يتجاوز في ما يقوله، عشرات التحقيقات التي تملأ شاشات العالم منذ سنتين على الأقل، متحدّثة عن الثورة الإيرانية الخضراء وما تلاها من قمع واضطهاد في ديار الثورة الإسلامية. ومن هنا، من الواضح ان منع عرضه في لبنان ضمن اطار تظاهرة سينمائية تعرض خمسة افلام «سمحت» السلطات اللبنانية بعرضها في تظاهرة خاصة في بيروت، لا يستهدفه كعمل فنيّ، ولا ربما ايضاً كعمل «سياسي»، بل لأهداف اخرى تماماً. الفيلم هو «الأيام الخضراء» للسينمائية الإيرانية الشابة هنا مخمالباف، الإبنة الصغرى في اسرة السينمائي المخضرم محسن، وهي اسرة باتت تعدّ ما لا يقلّ عن اربعة مخرجين يمضون الآن جلّ حياتهم في المنفى، بعدما كانوا من غلاة المؤيدين للثورة الخمينية. بالنسبة اليهم، الثورة الخمينية شيء وسيطرة محمود احمدي نجاد وحرسه «الثوري» على السلطة في طهران شيء آخر تماماً. هذا ما يحاول مبدعو الأسرة ان يقولوه، لا سيما في هذا الفيلم الذي ركّبته المخرجة الشابة من مشاهد صوّرتها خلال الانتفاضة الشعبية العارمة صيف العام 2009. السؤال اللبناني هنا لا يتعلق طبعاً بالفيلم، بل بمغزى منعه الآن. والأدهى من هذا ان «الأيام الخضراء» كان الوحيد غير الممنوع اصلاً من بين الخمسة التي كان يفترض ان تعرض خلال هذا الأسبوع. كل ما في الأمر، كما بتنا نعرف الآن، ان فيلم هنا مخمالباف حين أعلن عن عرضه قبل شهور ضمن اطار مهرجان بيروت للفيلم، تزامن عرضه المفترض مع زيارة الرئيس الإيراني للبنان، فارتؤي تأجيل العرض مراعاة للمناسبة. اما اليوم، فإن العرض منع تماماً. ومن هنا فالتساؤل ليس عن المنع، بل عن مغزى ذلك بعد أيام على تشكيل الحكومة اللبنانية. ما كان ينقصها إلا هذا المنع لأسباب «ايرانية» حتى يستبدل الناس اسمها المكرّس ك «حكومة اللون الواحد» الى «حكومة اللون الأسود». اما بالنسبة الى المنع نفسه، فمن الأرجح انه، من جانب المانعين (اي جهاز الأمن العام اللبناني) إشارة مبكرة الى ما ستكون عليه الحريات العامة في لبنان خلال عهد الحكومة الجديدة. او هذا، على الأقل ما يفترضه كثر من اللبنانيين اليوم وهم يقولون ان سلطة مثل هذه لا تهضم عرض فيلم ايراني معارض في زمن يسير فيه العالم العربي نحو مزيد من الحريات، كيف ستتعامل في المراحل المقبلة مع الإعلام الأكثر جرأة والبرامج التلفزيونية التي اعتادت، منذ 2005 على الأقل، ان تسمّي الأشياء بأسمائها بمقادير نقد وسخرية كبيرة؟ وكيف ستتعامل عموماً مع مسألة الحرية وحقوق الإنسان في زمن يقدّم فيه سادة لبنان الجدد طلب انتساب واضحاً الى النادي الذي يضم اليوم اقلّ من دزينة من بلدان وأنظمة لا تزال ترى في الحرية شيطاناً خبيثاً ناتجاً من مؤامرة غربية شريرة؟