بالتزامن مع يوم المرأة العالمي، انطلق البث التجريبي لفضائية TV JIN، أي المرأة بالكردية، كأول قناة كردية خاصة بالمرأة، ليس هذا وحسب بل وإن العاملين فيها هم فقط من الجنس اللطيف، إلى درجة أن المتابع الرجل يعتقد لوهلة انه والحال هذه ممنوع من مشاهدة القناة التي تنتشر مكاتبها واستوديواتها بين أوروبا وباشور (كردستان العراق) وروج آفا (كردستان سورية) وعموم شمال سورية. تعتمد القناة شعار «صوت المرأة ... وجه المرأة»، وإذا كان المكتوب واضحاً من عنوانه، كما يقال، فإن شعار القناة يختزل ويكثف كنه خطابها التحرري الحقوقي في منطقة لطالما صورت المرأة فيها قاصراً وعانت التمييز والاضطهاد المركب الأوجه والمستويات بما يطعن حتى في كينونتها كإنسان حر وككائن كامل الحقوق والأهلية. فصوت المرأة من الآن وصاعداً ما عاد فقط للخنق والطمس بل ها هو يصدح في السموات المفتوحة حاملاً رسالة التحرر الأنثوي بما أن الأنثى حاملة قيم الأمومة والجمال والعطاء والسلام ونبذ البطريركية والقبح والظلم والعنف ووجه المرأة الوضاء والمشع حسناً وحناناً وحلاوة معنى ومبنى لن يكون مجدداً ضحية الحجب والتغييب وكأن وجودها بحد ذاته عيب وعار وجريمة تقتضي إخفاء آثارها والتستر عليها بل سيغدو مرآتها وعنوانها. فالوجه ليس فقط تقاسيم جميلة وملامح متسقة بل هو مركز العقل وحامله، فالرأس ودرة تاجه العقل الجميل والمتنور والواعي، هو ما يجعل المرأة والإنسان عموماً جميلاً ووسيماً، منتجاً ومبدعاً. فالوجه بلا عقل وبلا علم وبلا ثقافة وبلا أخلاق يغدو مجرد قناع لقناع العدمية والعبثية واللامعنى واللاجدوى تالياً سرعان ما يترهل. ولعل من أهم نقاط قوة القناة الوليدة أنها تنطق بلغات المنطقة المختلفة: الكردية والعربية والتركية والفارسية والسريانية... في محاولة طموحة لتدشين منبر فضائي نسوي تفاعلي يكون بمثابة جسر لتواصل وتلاقي نساء الشرق الأوسط والعالم ككل ومنصة لطرح قضايا تحرر المرأة الشائكة تعريفاً ومناقشة آلياته والعوائق والعقبات التي تعترضه وما أكثرها. وليس خافياً أن ثمة هوية كردية ما طاغية على القناة لكنها ولا شك تعنى بالمرأة كمرأة وبالمطلق بغض النظر عن انتماءاتها القومية والدينية والمذهبية... وبما يجعل من قضيتها الأساس لقضايا التحررين الوطني والاجتماعي والتحول الديموقراطي. فاللبنة الأساس لهذا الثالوث الذي هو مدماك البنيان الحضاري لكل أمة ومجتمع يكمن في تحرر المرأة ومساواتها التامة ومشاركتها الفعلية في مختلف مفاصل الاجتماع والسياسة والاقتصاد... سيما أن المرأة الكردية قطعت أشواطاً هائلة في طريق تحررها لدرجة أن حملة تحرير الرقة من تنظيم «داعش» الإرهابي قادتها مقاتلة كردية وقس على ذلك. ولقائل إن هكذا منابر قد تساهم في تعميق الحواجز بين الجنسين وفي تكريس نزعة مغالية نسوية قد تنحو نحو محاكاة ومجاكرة النزعة الذكورية وإبداء ردود فعل عكسية توغل في التوجس من الجنس الآخر وفي تنميطه، وعلى رغم خطورة الإيغال في المنحى النسوي الحدي وشيطنة الآخر الذكوري بالمطلق والنظر إليه كخصم (كي لا نقول كعدو) لا كشريك، ولكن من وحي تجربة روج آفا الديموقراطية والتي هي بمثابة خزان يرفد القناة الوليدة بآلاف القصص والوقائع والسرديات حول دور المرأة في ثورة روج آفا وفي إداراتها الذاتية الديموقراطية وفي فيديرالية الشمال السوري يمكن القول إن المقاربات والسياسة التحريرية للقناة ستكون عقلانية وعلمية منفتحة على الجنس الآخر بل وهادفة حتى إلى مخاطبة الرجل على قاعدة التشارك والتكامل وبما يساهم في بلورة خطاب تحرر نسوي بعيد من الحدية والصدامية والتشنج. فليس الإيغال في القطع مع الجنس الآخر سوى إسهام في تعميق المظلومية التاريخية للمرأة وفي تكريس واقع اضطهادها وصبّ الماء في طاحونة المعسكر الذكوريّ التسلطي وإضعاف موقع ودور دعاة تحرر المرأة في الوسط الذكوري وهم في تكاثر مضطرد.