لندن، سان بطرسبورغ - رويترز، أ ف ب - أبلغت روسيا التي تسعى إلى استغلال مكانتها كأكبر بلد منتج للنفط في العالم لضخ استثمارات جديدة في ثرواتها من النفط البحري، المستثمرين أمس، أن الضمان الأفضل للإمدادات هو التعاون في تطوير حقول جديدة. وبعد فترة وجيزة من اخفاق «أوبك» في إقرار زيادة محتملة في الامدادات لمساعدة الاقتصادات المستهلكة التي تواجه صعوبات، حذر نائب رئيس الوزراء الروسي إيغور سيتشين من الاعتماد على الطاقة الانتاجية للمنظمة لزيادة الانتاج وقت الحاجة. وقال سيتشين بعد كلمة لجمهور ضم ممثلين عن شركات نفطية كبرى ورئيس وكالة الطاقة الدولية نوبو تاناكا، إضافة إلى وزير النفط العراقي عبدالكريم اللعيبي، الذي عارض مسعى السعودية لرفع الانتاج في المنظمة: «نتمنى لأوبك نجاحاً كبيراً. ليس لدى أوبك هذا الفائض الكبير في الطاقة الانتاجية... ليس بهذه الضخامة... ونحن في حاجة إلى افتتاح حقول جديدة وإلى التعاون في هذا الشأن». وقال سيتشين لصحافيين على هامش منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، ممازحاً، رداً على احتجاج الأمين العام ل «أوبك» عبدالله البدري على تلويح وكالة الطاقة الدولية «بسلاح» ضد المنظمة، فتعهد بحماية الدول المستهلكة من ارتفاع الأسعار إذا مكنت الدول روسيا من الوصول لاحتياطاتها النفطية. وعلى رغم محاولات روسيا في أوقات انخفاض الأسعار لخطب ود «أوبك» بالتلميح إلى أنها قد تتماشى مع تخفيضات الانتاج، فإن الواقع الذي تواجهه صناعة النفط الروسية على النقيض تماماً مع الوضع في السعودية التي تنافسها على لقب أكبر منتج في العالم. وتواجه روسيا أسئلة صعبة عن الطريقة التي يمكنها بها وقف التراجع في انتاج النفط من قلب صناعة النفط خلال الحقبة السوفياتية في سيبيريا وبدء الانتاج من حقول جديدة تحتاج إلى استثمارات كبيرة. وقال رئيس «آي اتش اس سيرا» دانيال يرجين، إن «تطوير الجيل التالي من الموارد في روسيا مهم ليس لروسيا فحسب... هو مهم أيضاً لامدادات الطاقة العالمية، لكن ليس هذا فحسب. إن لذلك أهمية كبيرة لأمن الطاقة العالمي، ولذلك فهو مهم لأمن جميع دول العالم». وستعتمد قدرة روسيا على تطوير موارد جديدة واقعة في مناطق نائية ولا تتوافر بها مقومات الحياة وكثير منها موارد بحرية على قدرتها على تدبير مئات بلايين الدولارات لتمويل عمليات الحفر ذات التكلفة المتزايدة. وهذه مهمة صعبة في ضوء عدم وجود سابقة لتمويل مشاريع بمثل هذا المدى والمستوى في اقتصاد ناشئ ليس له سجل كبير في ما يتعلق بحقوق المستثمرين. إلا أن الصدمات التي تعرضت لها صناعة الطاقة في الآونة الأخيرة جعلت روسيا تبدو رهانا آمناً. وقال يرجين إن «عدم التيقن في الشرق الأوسط صرف الانتباه مجددا إلى دور روسيا كأكبر منتج وثاني أكبر مصدر إلى جانب كونها مصدراً لكميات ضخمة من الغاز الطبيعي... هذا دور حيوي في منظومة أمن الطاقة العالمية». ولم تتأثر شهية المستثمرين إلى الاحتياطات الروسية بأحدث فشل استثماري في البلاد، إذ أخفقت «بي بي» في اتمام صفقة للحفر في منطقة القطب الشمالي مع شركة النفط الحكومية «روسنفت» بعد معارضة شركاء محليين قدامى لشركة «بي بي». ولم تستبعد «روسنفت» احياء الصفقة التي كانت بوساطة سيتشين نفسه من خلال منصبه السابق كرئيس مجلس ادارة الشركة إذا حلت شركة منافية ل «بي بي» محلها وقدمت ما يلزم من تقنية وخبرة لتطوير ثلاث مناطق امتياز رئيسة في المنطقة القطبية. واصطف مسؤولون تنفيذيون من شركات نفط عالمية حول جناح «روسنفت». وفي الداخل عقد الرئيس التنفيذي ل «روسنفت» مديرها المالي إدوارد خودايناتوف اجتماعات موجزة مع مسؤولي الشركات الواحد تلو الآخر. وكان ممن يقفون بالخارج يتجاذبون اطراف الحديث مع الحاضرين الرجل الذي تحمل القدر الأكبر من اللوم في فشل الصفقة وهو الرئيس التنفيذي ل «بي بي» بوب دادلي. وقال دادلي لصحافيين على هامش المنتدى في وقت سابق: «هكذا هي الأعمال... بعض الأمور تنجح والبعض الآخر لا». ودعت وكالة الطاقة الدولية روسيا ودولاً اخرى منتجة، إلى الانضمام إليها، وفقاً لتاناكا في حديث إلى صحيفة «اوبزرفر» البريطانية. وقال تاناكا للصحيفة أمس، ان منتجي ومستهلكي الطاقة «لديهم جميعاً مصلحة مشتركة، ولا يمكن النظر الى النفط بطريقة منعزلة عن امن الغاز وفاعلية الطاقة والطاقة المتجددة». وأضاف: «علينا جميعا التصدي لمشكلات امن الطاقة والتغير المناخي بصورة جماعية، ونعتقد ان بإمكان روسيا ودول اخرى من المنتجين الاساسيين الاستفادة كثيراً من تجربة» وكالة الطاقة. وأُنشئت وكالة الطاقة الدولية اثر الصدمة النفطية في 1973 - 1974 بهدف تمثيل مصالح الدول الصناعية والمستهلكة امام «اوبك». لكن المنظمة تواجه صعوبات في التأثير على انتاج الطاقة، وفي الاخص على اسعار النفط. ولم تستجب «أوبك» إلى دعواتها المتكررة لزيادة الانتاج بغية وقف ارتفاع اسعار النفط. وسلم تاناكا الدعوة الى روسيا عبر سيتشين، معتبراً ان هذا الاخير قد يتوجه الى الاجتماع الوزاري المقبل لوكالة الطاقة الدولة في تشرين الاول (اكتوبر). وتعتبر وكالة الطاقة الدولية روسيا وكذلك الصين والهند من الدول «الاساسية غير الاعضاء» في المنظمة، لكن تاناكا يأمل في ان تصبح روسيا عضواً كاملاً، مؤكداً ان دولاً مثل اندونيسيا والمكسيك تسعى ايضاً الى دخول المنظمة التي يوجد مقرها في باريس. واعضاء وكالة الطاقة جميعاً اعضاء ايضاً في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وعندما سألته «اوبزرفر» عن موعد انضمام موسكو، اجاب تاناكا: «لا اعلم متى سيتم ذلك. قد يتم في يوم وقد يتطلب سنوات، لكن في امكان روسيا ان تستفيد اكثر من تجربتنا».