لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي، في مقدمها «سكايب» و «فايسبوك» و «يو تيوب»، فرصة «للهو والأعمال الصبيانية» في مكاتب العمل. فالدول الصناعية المتقدمة، كما سويسرا، تراهن على مواقع كهذه لتوثيق مكانتها التنافسية الدولية. إذ من الواضح، وفقاً لمحللين سويسريين مرموقين، أن هذه المواقع، التي ولدت من الصفر، أدخلت ما يشبه الثورة في العلاقات بين الموظفين من جهة، وبين الموظفين (وذوي المهن الحرة) والشركات من جهة أخرى، بصورة ايجابية أذهلت وزارة الاقتصاد الفيديرالية. فروح التعاون والشفافية كانت الرابحة الرئيسة عبر مواقع الربط الاجتماعي «سوشل نيتووركس». في الوقت الحاضر، تلجأ 25 في المئة من الشركات السويسرية، العاملة في القطاعات الخدماتية إلى المواقع الاجتماعية. وبالنسبة إلى الشركات المتوسطة والكبيرة، فإن المواقع الأكثر استعمالاً هي «سكايب» التي يستعملها 48 في المئة من الشركات، تليها «لينكد اين» (37 في المئة)، و «فايسبوك» (30 في المئة)، و «يوتيوب» (27 في المئة)، و «ويكي» الذي تستعمله 19 في المئة من الشركات، وتشكيلة من مواقع الدردشة الإلكترونية (17 في المئة). على الأرجح، فإن توغل الشركات داخل هذه المواقع، من حيث العدد والمحتوى، سيرتفع في المستقبل القريب من جراء الرهان الشديد الذي تلقيه الشركات السويسرية على مواقع كهذه. «سحر» المواقع الاجتماعية لا تحتكره سويسرا. فعيون أرباب العمل والتجار والصناعيين ومديري الشركات، على الصعيدين السويسري والأوروبي مسلطة عليها، وكأنها خضعت لعملية «تنويم مغناطيسي» لذيذة من دون أن تنجح في الاستيقاظ منها بعد. وفي الحقيقة، فإن الجميع مقتنع تماماً بأن استعمال هذه المواقع، وهي الأدوات المحركة لجيل جديد من الاقتصاد العالمي يدعى «ويكونومي» (Weconomy) أي «الاقتصاد المتقاسم» من أطراف كثر، لا يمكنه إلا إنعاش أعمال الشركات، التي تحتاج، نظراً الى الأزمة المالية، الى جرعات من الأوكسيجين النقي كي تتمكن من التركيز أكثر على خططها المستقبلية. إن شركة المستقبل، وفق آراء أبرز الخبراء هنا، ليست الا اضفاء طابع الديموقراطية الى الآلية الادارية بهدف حفز المديرين والموظفين معاً، على التعاون والتخطيط على نحو ودي و «وفي» يرعى مصالح الشركة ويدافع عنها دولياً. وكلما تكاثرت المنصات التكنولوجية، مثل المواقع الاجتماعية داخل الشركة، كلما طفا على السطح عدد من الموظفين الموهوبين والكفوئين، القادرين على العمل تحت ضغوط صعبة، لإنقاذ سمعة الشركة وتنافسيتها. علاوة على ذلك، فإن مفهوم العمل والتعاون عن بعد «تيليووركينغ»، بدأ يشق طريقه داخل سويسرا، وهي دولة ذات طابع متحفظ على كل الصعد. ويُذكر أن هذا المفهوم شبه غائب في مناطق أخرى حول العالم ومعمول به في شكل متواضع في الدول النامية ومنطقة الشرق الأوسط. ومع ذلك، يؤكد مديرو أكثر من ألفي شركة سويسرية أنهم تمكنوا من «اصطياد» عدد لا بأس به من الموظفين الجدد، من طريق شبكة «تيليووركينغ»، التي تعتمد على المواقع الاجتماعية وعلى رأسها «سكايب». ويميل 52 في المئة من الشركات السويسرية (في مقابل 50 في المئة من تلك الأوروبية)، الى التعاون مع شركات أخرى، محلية أو أجنبية، ضمن ظاهرة «التعاون المشترك» (كو - أوبيريشن). بالطبع، لا نستطيع الاستنتاج أن التعاون والشفافية بين الشركات السويسرية وغيرها، وجيوش من ذوي المهن الحرة، قد يستمر على المدى الطويل. بيد أن هذا التعاون، أي «كو- أوبيريشن»، تعتبره الشركات السويسرية «خطوة» اختبارية ربما تؤهل المتعاونين معها لأن يقفزوا من منازلهم الى مكاتب العمل داخل الشركة بواسطة عقد عمل ثابت يعكس معه ثقة متبادلة بين الموظف ورب العمل. هنا، يرى خبراء العمل أن هدف حوالى 49 في المئة من الشركات الغربية، من ضمنها السويسرية، يتمثل في «الاختبار» قبل «التوظيف الثابت». في حين يعترف كبار الصناعيين السويسريين بأن التعاون مع ذوي المهن الحرة، عبر مواقع الربط الاجتماعية، لا يتعدى المدى المتوسط (سنتين). وفي مطلق الأحوال، فإن هؤلاء الصناعيين الخاصين والمصرفيين، ينجحون في ادخار ما لا يقل عن 5.6 بليون فرنك سويسري كل سنة، بفضل الاعتماد على المواقع الاجتماعية لتصريف أعمالهم واستغلال خبرة الموظفين، الثابتين (داخل الشركات) والمتعاملين معهم، من بُعد.