يواصل الكاتب والإعلامي ميشال معيكي هوايته الفنية في معرضه الثاني «حكايا» الذي تحتفي به غاليري «اكزود»» (الاشرفية)، لكن ما تجب الإشارة إليه هو أن الهواية هنا استحالت احترافاً فنياً، في ما يفترض الاحتراف من بحث في الشكل واللون ومن اختبار للرسم نفسه وتقنياته. وإن بدا معيكي يتمتع بحرية في الرسم والتلوين جاعلاً من اللوحة البيضاء أمامه فضاء تتحاكى فيه الخطوط والازياح والبقع اللونية، فهو يلتزم أصول التلوين معتمداً ذائقته الشخصية ومراسه وثقافته البصرية مضافاً إليها كلها تلقائية هادرة طالعة لتوها من أعماق الذات ومشاعرها النقية. يبدو معيكي قريباً من لعبة التجريد الذي عرف أرباباً كباراً، لكن ما يميز التجردي لدى معيكي هو الغنائية الدافقة المتجلية في النشيد اللوني المتفجر داخل مساحة اللوحة والقادر على تحرير فن الرسم من العايير الجامدة والثابتة. يرسم ميشال معيكي بحرية، ولكن بحرية من يمتلك سر هذه الحرفة امتلاك الحواس، بالعين التي تبصر واليد التي تندفع آسرة ما يخطر في الذهن أو المخيلة أو القلب. يوظف معيكي ثقافته البصرية كعادته خير توظيف فهو الذي رافق الحركة التشكيلية اللبنانية والعربية والعالمية عندما كان يعمل في الصحافة الثقافية، يدرك جيداً طبيعة هذه التجربة التي يخوضها، ولعله أفاد كثيراً من صداقته لكبار الرسامين اللبنانيين الذين يزورهم في محترفاتهم ويطلع عن كثب على أسرار صنعتهم فيكتسب أساليب وتقنيات يخزنها في عمق عينيه وذاكرته. وفي مناسبة المعرض كتب المعيكي نصا ضمنه كاتالوغ المعرض وهو بعنوان»حكايا بحبر الألوان» وجاء فيه: مرّة جديدة «أكتب» لوحة! هي «حكايا» من شفع الذاكرة وراهنِ اللحظة والاعتمالات. إنها أيضاً تفاعلات وانفعالات لونية مع يوميّات انفجارات براكين هذا العالم، وانهيارات الإنسان وتداعي منظومة القِيَم.لا انتماء لي إلى مدرسة أكاديمية فنية محدّدة، ولا أسعى... اللوحة عندي ليست عمارة هندسية مشبوكة الأطراف. هي منصّة مفتوحة ملوّنة، لمسرح حكواتي – ساخر (أحياناً) بالحركة يعبّر، وبالتشكيل والإيقاع اللوني، عن أفكار ومواقف ورؤى، بمنحى تجريدي تأويلي، شخصي جداً، يحتمل إشكاليّة ونقاشاً. هذا التجريد الفنّي ليس للفهم، إنها إيحاءاتٌ للحسّ، حيث يتلاشى الموضوع – المنظر الطبيعي، وتتحرّر الألوان لترتوي من ذواتها، فتتوالد الأشكال من طبائع الألوان لتصبح تشكيلاً فنّياً، ويصير الجمال الفنّي مجرّد تعبير عن ذاته بذاته، كما عبّر عنه الفيلسوف كانط في مبدأ «الرؤية الصافية» ، في مقاربته للجماليّات. هذه «اللوحات – الحَكايا»، شهادات ملوّنة لنبضنا الداخلي وتجريدٌ لتفاعلات العقل والروح مع تحوّلات راهنِ أزمنتنا، وأسئلة الإنسان في الكينونة والمصير. كل الفنون بتآلفها والتناغم، حروفاً، مسرحاً، صورةً، لوناً وموسيقى، هي كلّها آثارُ خطانا، وإيقاعاتُ تعبيرٍ عن مشوارنا على هذا الكوكب».