الاثنين 13/6/2011: صيف بيروتي العمارات الحديثة العالية ضمت بيروت الى مدن بحرية معولمة، بدءاً من نيويورك وليس انتهاء بهونغ كونغ ودبي. والناظر إلى المدينة من البحر لم يعد يرى حدائق التلال بأخضرها وقرميد بيوتها. حدائق سجلتها لوحات رسامين محليين وأجانب، وكتابات فرنسية علمتنا التعبير عن جمال بلادنا. بيروت في صيفها تعرف هيئتها الجديدة بقدر ما تقلقها معان تتزاحم لملء هذه الهيئة. كانت محل لقاء شرق وغرب ثم محل صراعهما، واليوم تسير الى تنافس (أو صراع) ما بين شرق وشرق، أعني تركيا وإيران. اللبنانيون الذين عرفوا الأتراك وأتقنوا لغتهم رحلوا، وتكاد تضمحل الذكريات عن أجداد يسافرون في عطلة الأسبوع الى بيروت ليسهروا في لوكندة بسول حيث موسيقى إفرنجية وراقصون وراقصات يتعانقون برومانسية، تماماً كما كتب أحمد فارس الشدياق في «الفارياق»: «راقصات راقصون فاعلات فاعلون». أجداد لنا لم نعد نتداول قصصهم وخياناتهم الصغيرة وإتقانهم التركية، لغة الوالي والحاشية، وإلمامهم ببعض الفرنسية من أجل مظهر حداثي يرسمون له حدود الشك والريبة. لم يتكلم الفارسية في بيروت سوى عائلات تجار أتوا من أذربيجان الإيرانية واستوطنوا المدينة، كما استوطن أقران لهم عكا والإسكندرية، وكانوا في أحوالهم وعلاقاتهم محسوبين على المدى العثماني، فيتكلمون لغتهم داخل البيوت. بيروت البنايات الحديثة العالية لا تزال تبحث عن معناها الطالع منها، والبحث مضن، في زحمة المعاني الهاجمة بمال كثير وجيوش قوية وأيديولوجيات تقطر دماً. لبنان والعروبة والنهضة وأعلامها، استراحة بين فصلين من الصراع؟ الثلثاء 14/6/2011: وطن اسمه سورية رسالة أدونيس المفتوحة الى الرئيس بشار الأسد ليست الأولى في مقاربة الشاعر الوضع السياسي في دمشق فقد سبقتها كتابات عدة وتواقيع على عرائض، لعل أبرزها «بيان ال99» في 27 أيلول (سبتمبر) 2000 الذي وقعه 99 مثقفاً سورياً طالبوا السلطة بتحقيق ثلاثة مطالب: 1 - إلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية المطبقة في سورية منذ 1963. 2 - إصدار عفو عام عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير والملاحقين لأسباب سياسية، والسماح بعودة المشردين والمنفيين. 3 - إرساء دولة القانون، وإطلاق الحريات العامة والاعتراف بالتعددية السياسية والفكرية وحرية الاجتماع والصحافة، وتحرير الحياة العامة من القوانين والقيود وأشكال الرقابة المفروضة عليها، بما يسمح للمواطنين بالتعبير عن مصالحهم المختلفة في إطار توافق جماعي وتنافس سلمي، وبناء مؤسساتي يتيح للجميع المشاركة في تطوير البلاد وازدهارها. من بين الموقعين ال99، توفي أنطون مقدسي وممدوح عدوان وعمر أميرالاي وعبدالرحمن منيف السعودي الأصل. ولا يزال البيان الشهادة الأبرز على ربيع دمشق، الفرصة التي فوتها النظام ليحصد الشوك ومعه شعب في ضنى الانتظار. ومع «بيان ال99» كتابات سياسية واقتراحات لإصلاح الدولة نشرها مثقفون لم يهملوا شأن بلدهم، وإن كان أسلافهم وبعض كبار السن منهم يتحملون مسؤولية اعتبار سورية فكرة لا وطناً. كانت سورية في نظر هؤلاء وخطاباتهم «قلب العروبة النابض» و «القطر» المنتمي الى «الوطن العربي» ولم تكن أبداً وطناً. ومع الانتفاضات الحالية وتقاطعها مع وعود الإصلاح التي يطلقها النظام، ينطق المثقفون السوريون اليوم باسم الوطن السوري أكثر من أي يوم مضى، لكن شكوكاً تساورهم بإحلال «الأممية الإسلامية» مكان «القومية العربية» لتحجب من جديد وطناً اسمه سورية. من كلمة أنطون مقدسي (في «الحياة» عام 2000) حول الانتقال «من الرعية الى المواطنة» الى رسالة أدونيس اليوم، وما بينهما من كتابات وأطروحات، يتحمل المثقف السوري مسؤولية تحديد طرق النجاة لوطن مهدد لا لنظام مهدد. وطن اسمه سورية، تاريخه يفيض فكراً وفناً منذ العهدين الهلليني والروماني الى العهد الأموي حين دمشق عاصمة العالم المتمدن وجناح لا بد منه لاحقاً لمصر الفاطمية والأيوبية والمملوكية ثم لإسطنبول العثمانية. وطن اسمه سورية هو الأكثر استماعاً الى فيروز ونداء الرحابنة باسم روح قديمة متجددة. الأربعاء 15/6/2011: أدب الربيع العربي ليس مطلوباً من الربيع العربي أن يجدد الآداب والفنون أو يحدث فيها طفرة، فالثورات الشبابية تستهدف الإصلاح والتغيير في بنية الدولة وسياساتها وسلوكيات قادتها، لجهة المعيار الوطني والابتعاد عن فساد أكل أخضر الدولة ويابسها. ثمة كتابات انطباعية وشهادات عن الربيع العربي نجد معادلاً لها في الفنون الأخرى. لكن الأدب والفن، على وجه العموم، لم يتأثرا بشكل صادم بهذا التغيير الذي يحدث في علاقة الحاكم والمحكوم، ولم يخل عصر الديكتاتوريات عندنا من مساحات حرة للإبداع، بل إن بعض الديكتاتوريات أقام مؤسسات ثقافية عملاقة لا يستطيع النظام الديموقراطي أن ينشئها بأمر لا اعتراض عليه. فلنترك للمبدعين أدباً وفناً أن يتمثلوا هذا الذي يحدث في بلادنا ويحتاج وقتاً طويلاً لتتوضح ملابساته، فليتمثلوه وفق قناعاتهم وإحساساتهم، وبعد ذلك ينجزون أعمالاً قد تكون مفارقة لما قبلها وقد لا تكون. الخميس 16/6/2011: للرؤية كفى حدوداً، ولترفع هذه الستارة لأرى الجمهور أو أشجار الحقول والثعالب الهاربة. لماذا تفصلني عن العالم وتفرض عليّ ما أقرأ؟ لا وقت للحروف لا عينين للقراءة. تكفي هذه الطبيعة، نحتاج أعماراً لتدخل في الإحساس، وندخل في نسغ نباتها. الجمعة 17/6/2011: محمد بنيس قراءة قصائد محمد بنيس عيش للشعر. قد لا يكون الانطباع الأخير مهماً، وقد لا يكون وارداً أمام جماليات كاشفة. وحده عيش الشعر يبقى لا إشارة سهم واحد. شعر يفتح على جهات العالم وأنفاسه، من التكوينات الصغرى، وأولها الإنسان الفرد، الى غير مدى في الكون الفسيح. لذلك، ربما، يصعب انطباع نقدي عن شعر بنيس، ويكفيه أن تقرأ، أن تعيشه، وتدعو إليه كمائدة لأرواح جائعة. أحدث مجموعات محمد بنيس «سبعة طيور» (عن دار توبقال - الدارالبيضاء 2011)، ومنها: «رائحةٌ تمجّدُ زهرة في السرّ يحرُسها الرعاةُ بوحدة، غمُضت حجارة شاطئٍ في القعرِ ليلُكَ سيدٌ هو ما يدل على العواصف عندما تدنو السماء كأنها موضوعة في ساحل هبةٌ تؤكد وشوشات اللانهاية أن أكون هنا عواصف باليدين بكامل الأحشاء أسمعها تمرّ منمنماتٌ في انبساط السقف موسيقى لأرض كنتُ أرمُقها صموتاً واقفاً كتفاي تلتفان حولي تعصران أصابعي بعضٌ تغيّر في انتشار الليل».