لندع جانباً الحملة التسويقية الضخمة التي رافقت الفيلم اللبناني Sorry Mom، بما ان اي حملة قد تلعب دوراً سلبياً حين يكون المنتج أقل بكثير من التوقعات. ولندع جانباً، طموح أصحاب الفيلم ورهانهم عليه في إحداث «نقلة نوعية في عالم الفن السابع في لبنان»، خصوصاً أنهم، بغالبيتهم، ينتمون الى عالم التلفزيون. ولندع جانباً أيضاً، قرار هؤلاء بالابتعاد عن «سينما الحرب»، نزولاً عند رغبة أصحاب الصالات التجارية ومنطق السوق. لندع جانباً هذا كله، ونتحدث عن تعريفSorry Mom ب «ثريللر» أو فيلم «إثارة وتشويق»، خصوصاً أن - والعفو من صناع الفيلم - لا إثارة هنا ولا تشويق. فالشريط الذي يطرح نفسه بأنه يعتمد نهجاً جديداً في صناعة السينما اللبنانية، يفتح اوراقه كلها امام المشاهد منذ الدقائق الأولى حين تلتقي بطلته (ملكة جمال لبنان السابقة نادين نسيب نجيم) بفريستها الأولى (ملك جمال لبنان السابق عزيز عبدو)، فتصطاده بسحرها الذي لا يقاوم، وتستدرجه الى منزلها الفخم، لتُوقع به، وتُنزل به أشد العقوبات: حكم الإعدام «انتقاماً من كل الرجال الخونة»، كما سيتضح في نهاية الشريط. ومنذ الدقائق الأولى لا يحتاج المشاهد عناء كبيراً ليدرك ان البطلة أم ثكلى اختُطف ابنها منها، فتحولت الى سفاحة تختار ضحاياها من بين الآباء الذين تتقاطع دروبهم ودربها أثناء مرافقتهم لأبنائهم الذكور الى الاماكن العامة مثل الكورنيش او المقهى أو المحال التجارية. وبعد ان تستدرجهم الى بيتها، ترسم مصير هؤلاء بيديها قبل ان ترمي بهم في اماكن متفرقة لإبعاد شبح الشرطة عنها. وعلى هذا المنوال يسير الفيلم بإيقاع روتيني، جريمة بعد جريمة، وضحية بعد ضحية، ولا جديد بعد ان تكرّ السبحة إلا التوسع في كشف كيفية تنفيذ حكم الإعدام من دون ان يرمي الفيلم شعلة تشويق واحدة لانتظار ما سيلي، طالما ان ما من شيء غير متوقع. فالجريمة وقعت، وأدواتها ليست ذات أهمية... اما طريقة التنفيذ، فمعلنة منذ البدء من خلال الاعتماد على إغراء المرأة. السفاح والضحية لا يمكن متابع هذا الفيلم الا ملاحظة تأثر صناعه بالأفلام الغربية وإن لم يفلحوا في الوصول الى حبكة متماسكة كما في كثير من الأفلام التي تعتمد فن التشويق من خلال التستر على هوية القاتل بجعل كل الاحتمالات مفتوحة امام المشاهد، وعدم فضح الشخصية المحورية منذ المشهد الأول. ويُمكن أيضاً ان يرتئي المخرج جعل المجرم مكشوفاً، كما حدث في هذا الفيلم، ولكن عندها يصبح واجباً عليه الاشتغال على شخصية القاتل بسيكولوجياً، واللعب على وتر تصاعدها التدريجي، حفاظاً على عنصر التشويق، أملاً بأن يحبس المشاهد أنفاسه حتى النهاية... أو حتى يجعل الشخصية لغزاً محيراً، تحلو معها لعبة شدّ الحبال بينها وبين الشرطة. لكنّ أياً من هذا لم يحدث في Sorry Mom، فشخصية البطلة التي من المفترض انها مصابة بانفصام، خذلها السيناريو الهش الذي جعلها تسير على خط مستقيم، فلا تعرجات فيها ولا طلعات أو نزلات. و «لغز» القاتلة الذي استعصى على الشرطة، كانت له بالمرصاد أم ثكلى اخرى انتصرت على انهيارها العصبي لتنقذ ابنتها بطريقة أقرب الى التهريج من الواقع أو التشويق. اما الأخطاء الفنية فحدّث ولا حرج من دون ان ننسى المشاهد المقحمة التي بدا لنا ان المخرج لفتته في فيلم ما، فارتأى ان يضمها الى فيلمه. ولعل النقطة الوحيدة التي تُسجل لمصلحة الفيلم في هذا الإطار تكمن في كون الضحية الأخيرة أنثى لا ذكراً، ما يشي بأن انزياحاً واحداً عن الخط قد يحدث كل الفرق، حتى وإن لم يقصد صناع الفيلم ذلك. وهذا ما يحدث بالفعل حين تتعرف بطلتنا الى الطفلة «جويل»، فتقرر ان تضمها الى سلة ضحاياها التي تضم ثلاثة ذكور فقط. ولا تتكبد البطلة عناء اجتذاب والد الطفلة (سامر الغريب) الذي يُمهد لنا الفيلم بأنه «دونجوان» لا يتوانى عن خيانة زوجته الصحافية الجميلة (المذيعة نانسي أفيوني). وكالعادة، نجدنا امام ضحية سهلة، تسير برجليها نحو مصيرها المحتّم. لكنّ ما لم يكن في حسبان بطلتنا ان زوجة سامر، الصحافية الجميلة، ستنتصر عليها في نهاية الأمر، بعد ان تصل في شكل كاريكاتوري الى بيتها حيث تحجز الأطفال، لتتحول السفاحة الى ضحية تتلو فعل الندامة، وإن في شكل غير مباشر، من خلال الحديث عن الألم الكبير الذي يعتصر الام، أي ام، حين تفقد ابنها، ما قد يحوّلها - كما حال بطلتنا - الى وحش كاسر يفترس كل من يراه جديراً بأن يُسحق. ولم يشفع هذا الخطاب للبطلة، إذ سرعان ما ترديها الصحافية حين تُطلق النار عليها بعد اشتباك بالأيدي مضحك بينهما، لينتصر الخير على الشر في النهاية، وتخرج الصحافية والأولاد الأربعة المحتجزون خروج الأبطال... اما الشرطة فتصل كعادة الأفلام بعد فوات الأوان. الهمّ التجاري اولاً لا يبتعد Sorry Mom عن «الأفلام» التي حُققت في لبنان بعد نجاح تلفزيوني، فارتأى صناعها تحويلها الى الشاشة الكبيرة لاستثمار هذا النجاح. فهذا الفيلم، وإن لم تسبقه تجربة تلفزيونية، لا يشذ عن روحية العمل التلفزيوني، من القصة التي كتبها يوري مرقدي ولبنى مشلح وعماد الرفاعي الى الإخراج الذي حمل توقيع الرفاعي أيضاً (مخرج سوري)، والإنتاج الذي تقاسمته ثلاث جهات، منها شركة «بيريبا» (بيري كوشان وباسم كريستو) المعروفة في عالم الإنتاج التلفزيوني، إضافة الى «يوري أم» و «حانوش هولدينغ». وواضح ان الهمّ التجاري سيطر على الفيلم قبل أي شيء آخر. ولا عيب في ذلك إن أتى بمستوى يليق بذكاء المشاهد، لكنّ Sorry Mom وقع في فخ الربح السريع، ولم يأت على مستوى الآمال المعلقة عليه، وقد بدا ذلك جلياً في الإعلان الترويجي الذي يمكن اعتباره توليفاً ذكياً لغالبية مشاهد الفيلم الإباحية لاجتذاب الجمهور. اما النهاية المفتوحة التي أتت خارج السياق بإقحام شخصية جديدة ترتدي ثوب البطلة - السفاحة، فتشي بأجزاء جديدة قد تكون امام امتحان عسير، خصوصاً ان للجمهور الكلمة الفصل. Sorry Mom تجربة منقوصة أرادها صناع الفيلم ألا تكون محصورة بزمان ومكان لتلامس أكبر شريحة ممكنة من الجمهور، وحسناً فعلوا بالابتعاد عن قصص من الواقع اللبناني لأنها تستحق ذهنية سينمائية لا تلفزيونية، كتلك المسيطرة على هذا الفيلم. وبعد، هل من المبالغة اختصار Sorry Mom شكلاً ومضموناً بالمثل الشعبي المصري «سمك لبن تمر هندي»؟