إلى وقت قريب بلغ عدد المتقدمين من الجنسين للبرنامج الوطني، لإعانة الباحثين عن العمل «حافز»، نحو 3.5 مليون متقدم، إضافة إلى أن مدة الإعانة عام فقط، ما فتح باباً من الأسئلة حول جدية البرنامج ومدى نجاحه، والغموض الذي يكتنف المتقدم بعد السنة والموضوعة للإعانة. من ناحية أخرى، فإن عدد المتقدمين، سواءً من الجنسين أيضاً، بحسب ما أفادت وزارة الخدمة المدنية في برنامج «جدارة» إلى الآن، وصل إلى 592 ألف متقدم ومتقدمة، وطبقاً للرقم الحالي فهو غير ثابت بل «ومهدد» بالارتفاع. في المقابل، نجد أن ردود المسؤولين المتواترة في الشأن الوظيفي كبداية مطمئنة، وتدعو إلى الهدوء فكل الأمور ستؤول إلى خير، ولكن إذا ما عدنا إلى الشارع السعودي، خصوصاً المهتمين بهذا الشأن، وهم فئة «الباحثين عن العمل» في برنامج «جدارة»، نجد أنه لا يتوانى أحدهم في بث أعيرته الكلامية الحادة، وإطلاق الشكاوى نتيجة سوء تعامل البرنامج مع المتقدمين. فمن شدة التدافع في برنامج جدارة، وهذا يعود إلى «كثرة أعداد العاطلين عن العمل والباحثين عن مستوى معيشي أفضل»، أدى إلى صعوبة في إجراءات التقديم، حتى أن كثيراً من المتقدمين قام بتكرار المحاولة ساعات عدة في اليوم، وبعضهم وصلت به المعاناة تكرار المحاولة أياماً عدة حتى ينتهي التسجيل ويصل إلى ملخص الطلب. وأيضاً من أوجه المعاناة التي واجهت المتقدمين أثناء التقديم هو إهمال استفساراتهم بالنسبة لإجراءات التوظيف في الدعم والمساندة، والموضوعة لأجل المساعدة، ولكن لا حياة لمن تنادي، وبذلك أنهى المتقدم رحلته الطويلة مع التقديم الإلكتروني في برنامج جدارة «من دون رقم طلب»! ما سبب موجة استغراب عاتية طالت جميع المتقدمين للبرنامج. الآن ومع 56 ألف وظيفة هندسية وصحية شاغرة، و«بضعة» آلاف من الوظائف التعليمية، وهذه الأعداد تضم الجنسين معاً، مقابل أكثر من نصف مليون متقدم ومتقدمة، مع هذه الأرقام وتلك، فإن صح تقديري، أن عدد الوظائف التعليمية بالنسبة لعدد المتقدمين من الجنسين في برنامج جدارة لا يتجاوز 2 في المئة، مقارنة بالعام الماضي وهي 4 في المئة، إذ كان عدد المتقدمين يقل إلى النصف تقريباً، وأرى هنا أن مشكلة التوظيف زاد حجمها ولا توجد أي بوادر للحل! أيضاً، فإن عدد الوظائف غير التعليمية «الإدارية، الهندسية والصحية» بالنسبة لعدد المتقدمين من الجنسين في البرنامج لا يتجاوز كذلك 11 في المئة، هذا إذا ما استثنينا المؤهلين للوظائف التعليمية، أي أن من كل 100 مواطن سعودي عاطل فقط 11 يختارهم «جدارة» ويستمر 89 عاطلاً في خيبة أملهم «يخيبك يا جدارة». نعلم أن فرص العمل في المجال الحكومي محدودة، وهذا يعود إلى أسباب عدة، منها أن السعودية دولة ليست صناعية بالدرجة الأولى، فالدول الصناعية الأخرى تخلق في بيئتها الملايين من فرص العمل، وليست بلداً سياحياً مفتوحاً طوال العام يقصده السياح، على الأقل في الوقت الحاضر، يقال في عام «2020» سوف تزيد فرص العمل في البرنامج السياحي إلى أكثر من مليونين، «وأنا أشك في صدقية هذا الكلام إلى حد بعيد»، أضف إلى ذلك أن السعودية، باستثناء النفط ومشتقاته، فهي ليست مصدرة وإنما من مقدم الدول «المستوردة»، ولكن مع مجمل هذه الأسباب لا نستطيع أن نخفي حجم ومأساة البطالة التي يعانيها الفرد، فأرقام العاطلين عن العمل تجاوز نصف مليون، مقابل «2 في المئة»، أو «11 في المئة»... هذا إجحاف في حق مواطن جل همه أن يعيش حياة كريمة ومستقرة، ووضع غير لائق لدولة مترامية، ومنتعشة اقتصادياً ونفطياً، وغنية في مواردها الطبيعية، ولا يتجاوز عدد سكانها من المواطنين 19 مليون نسمة، إضافة إلى أيادٍ نشطة فقط تحتاج من يدعمها ويأخذ بيدها، لا بيد غيرها من الأجانب ومن دون وجه حق. «جدارة» وشقيقتها «حافز» نجحا في كشف النقاب عن كارثة وظيفية، كانت غائبة أو مغيبة عن أذهان مسؤولين، لكن كشف النقاب هذا جاء في وقت متأخر جداً، أو ربما كشفا عن مشكلة ماسة في حاجة إلى علاج جذري ويتطلب حلها في وقت قياسي، وهي في الحقيقة لا تتوفر أي حلول لها في الوقت الحالي. بقي علينا أن نقول إن برنامجي «جدارة وحافز» وجهان لعملة واحدة، وهي حصر أعداد العاطلين عن العمل... وليس إيجاد فرص عمل للعاطلين. خلود الجدعاني - الرياض