لم تمرّ ساعات على إصدار مجلس الأمن قراراً بوقف النار في سورية حتى اندلعت معارك عنيفة بين فصائل المعارضة والقوات النظامية على أطراف الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق، تزامناً مع قصف وغارات على الغوطة وإن بوتيرة أقل عما كانت عليه في الأيام الماضية. أتى ذلك فيما أعلنت إيران أن الهدنة التي توصلت إليها الدول الأعضاء في مجلس الأمن بعد مفاوضات عسيرة مع روسيا، «لا تشمل أجزاء من ضواحي دمشق يسيطر عليها إرهابيون»، وهو ما يضع مصير وقف النار على المحكّ قبل انطلاقه. وتوصل مجلس الأمن إلى تسوية روسية- غربية بإقرار وقف للأعمال القتالية في سورية مدته ثلاثون يوماً، من دون أن يتمكن من تحديد موعد بدء الهدنة أو نطاقها الجغرافي الفعلي بسبب استثناء القرار العمليات العسكرية التي تستهدف تنظيمات «داعش» و «القاعدة» و «جبهة النصرة» وكل من يرتبط بها من المجموعات المصنفة إرهابية بموجب قرارات مجلس الأمن السابقة. وأتت التسوية على القرار الذي حمل الرقم 2401 بعد نزاع ديبلوماسي سببته سلسلة مطالب قدمتها موسكو في شكل تصاعدي وعلى مراحل متتالية أدت إلى تمديد متكرر للمشاورات حتى الدقيقة الأخيرة قبيل طرح القرار على التصويت. ويحمل نص القرار الذي طرأت عليه تعديلات بطلب روسي في اللحظة الأخيرة، تفسيرات متناقضة، ذلك أن الأممالمتحدة اكتفت ب «المطالبة» بهدنة «من دون تأخير»، فيما سمحت باستمرار الأعمال الحربية ضد «المجموعات الإرهابية وشركائها»، ما يفتح الباب أمام تأويلات لتعريف هذه المجموعات. وجدّدت فرنسا وألمانيا الضغط على روسيا بهدف «تنفيذ قرار مجلس الأمن من دون تأخير». وأعلنت الرئاسة الفرنسية أمس أن الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنغيلا مركل أجريا اتصالاً هاتفياً بنظيرهما الروسي فلاديمير بوتين، داعيين موسكو إلى «ممارسة أقصى الضغط على النظام السوري لوقف القصف العشوائي فوراً ولتنفيذ قرار مجلس الأمن من دون تأخير مع وضع آلية مراقبة قوية». وأكد الرئيس الفرنسي أن باريس ستكون «بالغة التيقظ» لئلا يبقى قرار مجلس الأمن حبراً على ورق. ومن المنتظر أن يزور وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان العاصمة الروسية موسكو غداً الثلثاء للبحث في الأزمة السورية مع نظيره سيرغي لافروف. ووفق بيان صادر عن الكرملين، فإن الزعماء الثلاثة أعربوا عن ارتياحهم لتبنّي مجلس الأمن القرار 2401 حول الهدنة في سورية، نتيجة «لعمل مشترك بناء». كما ذكر الكرملين أن بوتين أكد لزعيمي فرنسا وألمانيا أن «وقف أعمال القتال لا يشمل العمليات ضد المجموعات الإرهابية». وتوعّدت وزارة الخارجية الروسية في بيان أمس، بمواصلة القتال ضد «النصرة» و «داعش» و «مجموعات من المعارضة التفت حولهما»، مشيرة إلى أن «قوى ما زالت تخطط لاستخدام هذه المجموعات للإطاحة بنظام الحكم وتقسيم سورية». ورحبت وزارة الخارجية التركية بقرار الأممالمتحدة، لكنها شددت على مواصلة عملياتها العسكرية شمال سورية لاستهداف المقاتلين الأكراد الذين تصنفهم «إرهابيين». وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن العملية العسكرية في عفرين ستستمر إلى أن يتم «تطهير المنطقة بالكامل من التنظيمات الإرهابية». ميدانياً، خاضت القوات النظامية معارك عنيفة مع فصائل المعارضة في منطقة المرج على أطراف الغوطة. وأوضح مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن أن «مواجهات عنيفة تدور بين الجانبين تتركز عند خطوط التماس في منطقة المرج التي يتقاسمان السيطرة عليها»، لافتاً إلى مقتل «13 عنصراً من قوات النظام وحلفائها مقابل ستة مقاتلين من جيش الإسلام»، أكبر فصائل الغوطة. ولفت «المرصد» إلى أن «هذه الاشتباكات وهي الأعنف منذ مطلع الشهر الجاري، أتت بعد تراجع وتيرة الغارات في الساعات الأخيرة، مقارنة بما كان الوضع عليه في الأيام الأخيرة». وتحاول قوات النظام «التقدم للسيطرة على كامل منطقة المرج التي يسيطر جيش الإسلام على عدد من القرى والبلدات فيها».