أعلن الائتلاف السوري المعارض دعم اتفاق وقف إطلاق النار الشامل الذي كشفت عنه روسياوتركيا صباح أمس، في حين قُتِلَ مدنيون في الغوطة الشرقية قرب دمشق إثر قصفٍ نفذته قوات بشار الأسد. وأفاد رئيس الدائرة الإعلامية في الائتلاف المعارض، أحمد رمضان، بأن الفصائل ستلتزم بوقف إطلاق النار وسترد في حال حصول انتهاكات. وصرَّح لوكالة الأنباء الفرنسية: «يعبِّر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة عن دعمه الاتفاق ويحث كافة الأطراف على التقيد به». ومن بين الفصائل الموقِّعة على الاتفاق «أحرار الشام»، و»جيش الإسلام»، و»فيلق الشام»، و»نور الدين الزنكي». وكتب الائتلاف، لاحقاً، على حسابه في موقع تويتر: «سيلتزم الجيش الحر باتفاق وقف إطلاق النار ولن يتوانى عن الرد على أي انتهاكات ترتكبها ميليشيات إيران والأسد كما حصل في حالات سابقة». واعتبر الائتلاف الاتفاقَ أساساً ل «توفير بيئة مناسبة لإنجاح العملية التفاوضية إلى جانب وقف عمليات التهجير القسري وإدخال المساعدات للمناطق المحاصرة»، مشدداً: «وقف إطلاق النار بند رئيس من بنود قرار مجلس الأمن 2254 الصادر عام 2015». وأعلنت أنقرةوموسكو، الخميس، خطةً لوقف إطلاق النار في كافة أنحاء سوريا «تدخل حيز التنفيذ منتصف الليل (ليل الخميس- الجمعة)»، برعاية العاصمتين. وذكر جيش النظام أنه سيبدأ، في الموعد نفسه، وقفاً شاملاً لعملياته، على أن يُستثنى من ذلك تنظيم «داعش» وجبهة «فتح الشام» (النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة). لكن رمضان قال إن الاتفاق يسري على «جميع المناطق التي توجد فيها المعارضة المعتدلة أو تلك التي تضم المعارضة المعتدلة مع عناصر جبهة فتح الشام على غرار محافظة إدلب (شمال غرب)». وأفاد رمضان بأن الاتفاق يستثني فقط «داعش» و«تنظيمات إرهابية أخرى» لكنه «لا يسمح بمس المدنيين»، متوقعاً إدخال مساعدات تحت إشراف الأممالمتحدة إلى المناطق المُحاصَرة من قِبَل النظام، بعد أن يسري وقف إطلاق النار. وليست هذه أول مرة يُتوصَّل فيها إلى اتفاقٍ لوقفٍ شاملٍ لإطلاق النار في سوريا. لكن الاتفاقات السابقة، التي كانت تحصُل برعاية روسية أمريكية، انهارت بسبب انتهاكات. وهذه أول مرةٍ ترعى فيها أنقرة اتفاقاً من هذا النوع. وشهدت الأسابيع الأخيرة تقارباً بين موسكووأنقرة. وبرز ذلك خلال اتفاقٍ الشهر الجاري أُجلِيَ بموجبه مقاتلو المعارضة ومدنيون من شرق مدينة حلب (شمال) التي أعلن النظام مؤخراً سيطرته عليها بالكامل. ولجأ النظام إلى القمع العنيف للمظاهرات التي انطلقت ضده في منتصف مارس 2011؛ ما أدى إلى نشوء نزاع مسلح واسع شهد مقتل أكثر من 310 آلاف شخص، وتشريد نحو 10 ملايين آخرين داخل البلاد وخارجها، مع دمار هائل في البنى التحتية. ورحَّب المبعوث الأممي الخاص بالأزمة، ستافان دي ميستورا، بأحدث اتفاقٍ لوقف إطلاق النار، متطلعاً إلى السماح بتقديم المساعدات إلى المدنيين. وأمَّل المبعوث، بحسب بيانٍ من مكتبه في جنيف السويسرية، أن يؤدي الاتفاق إلى «إنقاذ أرواح المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتمهيد الطريق أمام محادثات مثمرة في أستانا». وتدفع موسكووأنقرة في اتجاه إجراء محادثات سلام قريباً في عاصمة كازاخستان. وأعرب دي ميستورا عن دعمه هذه الخطوة التي ستُعقَد خارج إطار الأممالمتحدة. وجدّد، كذلك، التأكيد على رغبته في استئناف المفاوضات التي يتوسط فيها مكتبه بين نظام الأسد والمعارضة. وجاء في بيان مكتبه «المبعوث الخاص يرى أن التطورات يجب أن تساهم في استئناف المفاوضات السورية الداخلية الشاملة والمنتجة التي ستتم الدعوة إليها برعاية الأممالمتحدة في 8 فبراير 2017» في سويسرا. في ذات السياق؛ اعتبر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وقف إطلاق النار الشامل «فرصة تاريخية» لإنهاء النزاع الدائر في سوريا. وشدد خلال مؤتمر صحفي في أنقرة: «يجب عدم تفويت هذه الفرصة بأي ثمن (…) إنها فرصة تاريخية». وأبدت واشنطن، بدورها، ترحيباً حذراً. وأعربت عن «الأمل في أن تحترم جميع الأطراف المشاركة في النزاع هذا الاتفاق» الذي جرت مفاوضاتٌ بشأنه دون مشاركتها. واعتبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، مارك تونر، أن «المعلومات بشأن وقف لإطلاق النار في الحرب الأهلية في سوريا تشكل تطوراً إيجابياً (…) نرحب بكل جهد لوقف العنف وإنقاذ الأرواح وتهيئة الظروف لاستئناف المفاوضات السياسية المثمرة». وانسحبت واشنطن، عملياً، من الملف بعد انتخاب دونالد ترامب رئيساً لها وسيطرة الأسد على حلب. وفي موسكو؛ أعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، التوصل إلى الاتفاق الشامل، ووصفه ب «حدث انتظرناه منذ زمن وعملنا كثيراً من أجل الوصول إليه». وقال خلال لقاءٍ في موسكو مع وزيريه للدفاع والخارجية «تم توقيع 3 وثائق، الأولى بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة حول وقف لإطلاق النار على مجمل الأراضي السورية»، فيما تشمل الثانية تطبيق إجراءات تهدف إلى مراقبة احترام الهدنة، أما «الثالثة فهي إعلان (أطراف النزاع) استعدادهم لبدء محادثات السلام». وكان مبعوثون من روسيا التقوا في تركيا ممثلين لفصائل المعارضة السورية، في محادثاتٍ شهدت طرح فكرة وقف إطلاق النار. وأشار وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى «توقيع أبرز قوات المعارضة المسلحة على الاتفاق، وهي بالإجمال 7 مجموعات تمثل 62 ألف مقاتل مسلح» وبينها حركة «أحرار الشام». في الوقت نفسه؛ قرر الرئيس الروسي «خفض» العديد العسكري لبلاده في سوريا. ويأتي ذلك بعد 15 شهراً على بدء هذا التدخل الذي يركز خصوصاً على شن غارات جوية دعماً للأسد. وأعلن بوتين: «أنا أؤيد اقتراح وزارة الدفاع بخفض وجودنا العسكري في سوريا». واستدرك بالقول إن بلاده ستواصل دعم حكومة الأسد في حملتها. وسبق للرئاسة الروسية (الكرملين) الإعلان في مارس الماضي عن انسحاب جزئي، لم تحدد حجمه، لقواتها العسكرية من الأراضي السورية. وأمس أيضاً؛ أعلنت موسكو بدء استعداداتها للقاء أستانا المقرر الشهر المقبل على الأرجح. وصرَّح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف «سنبدأ مع تركياوإيران الإعداد لهذا اللقاء». لكنه لم يحدد المجموعات المعارضة التي ستجلس إلى طاولة المحادثات مقابل ممثلي الأسد. ورأى وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو، أن اجتماع العاصمة الكازاخستانية ليس بديلاً عن لقاء جنيف الذي ترعاه الأممالمتحدة في فبراير «بل مرحلة مكملة له».وتقف أنقرةوموسكو على طرفي نقيض في النزاع السوري، إذ طالبت الأولى مراراً برحيل الأسد، في حين تقدم الثانية وطهران الدعم له. لكن التعاون الروسي التركي أسفر، قبل أسبوعين، عن اتفاق شرق حلب الذي خرج الآلاف بموجبه من أحياءٍ كان النظام يحاصرها ويقصفها بعنف. ميدانياً؛ شنّت مقاتلاتٌ روسية ليل الأربعاء- الخميس غاراتٍ على مواقع ل «داعش» في مدينة الباب التابعة لمحافظة حلب (شمال)، بحسب ما أوردت وكالة «دوغان» التركية للأنباء. ويحاول مقاتلون معارضون سوريون، مدعومون من الجيش التركي، السيطرة على المدينة التي يحتلها التنظيم الإرهابي. ويأتي الإعلان عن هذه الغارات، التي تتم للمرة الأولى على ما يبدو، بعد الكشف عن التوصل إلى الاتفاق الشامل لوقف إطلاق النار. ولم يتضح في البدء ما إذا كانت الغارات تمت بتنسيق بين روسياوتركيا. واتهمت تركيا التحالف الدولي ضد «داعش»، الذي تقوده الولاياتالمتحدة، بعدم دعم عملياتها العسكرية «درع الفرات» في (شمال) سوريا. ونقلت «دوغان» عن مصادر عسكرية أن الغارات (الروسية) استهدفت القطاع الجنوبي للباب. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «غارات روسية على الأرجح استهدفت الباب في اليومين الأخيرين دعماً للعملية التركية». ومنذ أسابيع؛ يحاول مقاتلو المعارضة السورية بدعمٍ من الجيش التركي استعادة الباب، وهي العملية التي تكبدت فيها أنقرة الأسبوع الماضي خسائر فادحة. وقتل مسلحو التنظيم الإرهابي 16 جندياً تركياً الأربعاء قبل الماضي في المدينة، وهي الحصيلة الأسوأ في يومٍ واحد، منذ إطلاق أنقرة «درع الفرات» في أواخر أغسطس ضد «داعش» والمقاتلين الأكراد. في سياقٍ آخر؛ قُتِلَ 15 مدنياً على الأقل وأصيب العشرات بجروح في الغوطة الشرقية قرب دمشق، إثر قصفٍ مدفعي شنته قوات الأسد أمس وغاراتٍ جوية. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان ب «مقتل 15 مدنياً على الأقل، بينهم 6 أطفال، جراء تصعيد القصفين الجوي والمدفعي على مناطق عدة في الغوطة الشرقية؛ هي مدن دوما وحرستا وعربين وزملكا وسقبا». ولم يتمكن المرصد من تحديد ما إذا كان القصف الجوي روسياً أم من جانب النظام، واصفاً الطائرات المنفذة له ب «مجهولة». وأوضح مراسلٌ صحفي في دوما أن «الطائرات الحربية لم تفارق الأجواء منذ ساعات الصباح». وتعد الغوطة الشرقية، التي يحاصرها النظام، المعقل الأبرز للفصائل المعارضة قرب دمشق. وعلى جبهة درعا (جنوب)؛ قُتِلَ 5 مدنيين بينهم طفلة بعد منتصف ليل الأربعاء- الخميس «جرَّاء قصف صاروخي من قِبَل قوات النظام في مدينة درعا»، بحسب المرصد. وتتقاسم قوات النظام والفصائل المعارضة السيطرة على المدينة.