أجزم أن إسرائيل نشأت بفعل سطوة خبراء العلاقات العامة والإعلام، إذ العملية الإعلامية الإسرائيلية تقوم على إحباط ودفع الهجمة «غير الشرعية» التي تدار في الساحة الدولية ضدها، وابتكار منهجية علمية لتحسين وتوثيق العلاقة بين طبقات المجتمع المتهالك، والإعلاء من شأن الجيش الإسرائيلي والدولة. نجاحات الدعاية الإسرائيلية متواصلة، آخرها تراجع القاضي «غوستون» عن تقريره بشأن حرب غزة، وأحد الأسباب التي دفعت القاضي بالتراجع منشورات موقع www.theisraelproject.org، أسسه «جينيفر لازلو مزراحي»، وهو منظمة تعليمية غير ربحية، يزوّد الصّحافيين وصنّاع الرأي العام بمعلومات دقيقة عن إسرائيل والصراع من خلال خبراء وصحافيين سابقين، ويقدّم المشروع فرصة التقدّم إلى منح إعلاميّة ويوفّر الفرصة لمن يريد التطوّع من أجل المشروع، ويحاول المشروع تبرير كل الجرائم الإسرائيلية عبر تقديم نبذة عن العمليات التي جرت في الأراضي المحتلة عام 1948 بصفتها «عمليات إرهابية». ما يلفت الانتباه التقرير الذي صدر أخيراً وجاء تحت عنوان The Israel Project's 2009 Global Language Dictionary وهو التقرير الثاني عن موقع المشروع الإسرائيلي، إذ صدر التقرير الأول في العام 2003، يهدف التقرير إلى بناء دليل إرشادي لخبراء العلاقات العامة، وليستفيد منه مناصرو إسرائيل في الدفاع عن الرؤى والأفكار الإسرائيلية وتقديمها على مستوى العالم. يتكون التقرير من مقدمة و18 فصلاً مختلفاً، خصص الفصل الأول لتوضيح (25) قاعدة للتواصل الفعّال، والثاني قاموس للأعمال التي تؤتي ثمارها، والثالث: كيف تتحدث عن رخاء الفلسطينيين وحكمهم الذاتي، والرابع: عزل «حماس» المدعومة إيرانياً، باعتبارها عقبة في طريق السلام، والخامس: لغة التعامل مع إيران النووية، والسادس: غزة، حق إسرائيل في الدفاع عن النفس وحدود آمنة يمكن الدفاع عنها، والسابع: السلام، الرسالة المركزية، والثامن: المستوطنات، والتاسع: القدس، والعاشر: ضمانات القروض والمساعدات العسكرية، والحادي عشر: الجدار العازل ونقاط التفتيش، والثاني عشر: حق العودة = حق المصادرة، والثالث عشر: الأممالمتحدة، والرابع عشر: الحديث عن عرب فلسطينالمحتلة عام 1948، والخامس عشر: الحديث عن الأطفال وثقافة الكراهية، والسادس عشر: الدروس المستفادة من لغة خطاب أوباما، والسابع عشر: الحديث مع اليسار الأميركي، والثامن عشر: إسرائيل في الحوارات الجامعية. تضمنت مقدمة التقرير الإشارة إلى أهمية ما يسمعه الجمهور من المتحدثين على اختلاف لغاتهم، «ليس المهم ما تقولونه، ولكن ما يسمعه الناس»، وهي موجهة إلى خبراء العلاقات العامة والمتحدثين نيابة عن إسرائيل، إذ يؤكد مؤلف التقرير أنه موجه إلى الجمهور الأميركي بالدرجة الأساسية، ثم الجمهور في بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا بدرجة ثانية، وباقي دول العالم بدرجة ثالثة. ومن نجاحات موقع المشروع الإسرائيلي وقوفه إلى جانب وزارة الخارجية الإسرائيلية، ووزارة الهجرة والاستيعاب لتشكيل جيش المدونين، المكون من إسرائيليين يتحدثون لغة ثانية، ليمثلوا إسرائيل في المدونات «المناهضة للصهيونية»، التي تنتشر بلغات فرنسية وألمانية وإنكليزية وإسبانية، ووصفت الصحف الإسرائيلية قرار الحكومة هذا بأنه «سلاح جديد على جبهة العلاقات العامة والديبلوماسية التي تقوم بها إسرائيل». وبحسب المدير العام لوزارة الهجرة والاستيعاب إيرتس هافلون، فإن هذا الاحتياطي الضخم يتحدثون لغة ثانية غير العبرية، يتيح لإسرائيل متابعة مدونات بلغات أخرى مثل «البرتغالية والروسية»، إذ يتم تسجيل المتطوعين وفق اللغة، وتحويلهم إلى قسم الإعلام في وزارة الخارجية الذي يدير برنامج المتطوعين في الجيش. ومن نجاحات الموقع تقديمه النصيحة لحكومة إسرائيل لغزو «تويتر والفيسبوك واليوتيوب» واكتساح «الإنترنت»، لتغطية شغف عامة الجمهور بالحصول على معلومات تصور ما يجري في الميدان. إن الوظيفة الدعائية والاهتمام بالرأي العام هو شغل رجالات إسرائيل الشاغل، فهرتزل كتب كتابه «الأرض القديمة الجديدة» بهذا الهدف، وتنقل زئيف غابوتنسكي من جنوب أفريقيا إلى أميركا الشمالية للسبب نفسه، وكان حاييم وايزمان أحد زعماء الحركة الصهيونية، وأول رئيس لدولة إسرائيل يردد يجب أن نبني أعمالنا على أوسع مجال من جراء عطف الرأي العام، وقد لعب زعماء الدولة الإسرائيلية المتعاقبون وقياداتها المتوالية دوراً مماثلاً في جلب تعاطف الرأي العام. [email protected]