عقدت قبل أيام ندوة «الجزيرة العربية في المصادر الكلاسيكية» تحت رعاية دارة الملك عبدالعزيز بالرياض وأمينها العام المكلف البروفسور فهد السماري. حفلت الندوة بالعديد من الأبحاث العلمية الجادة التي اهتمت بكيفية تناول المصادر التاريخية اليونانية واللاتينية للجزيرة العربية. ووجهت إدارة الندوة تحت رئاسة البروفسور عبدالله العبد الجبار الدعوة الى باحثين متخصصين في جامعات هارفارد ومانشستر وغوتنبرج وأرتويس والمركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا ومعهد الدراسات التاريخية باليونان، فضلاً عن عدد من الباحثين العرب المختصين بالتاريخ القديم من مصر والسعودية والإمارات واليمن والأردن والعراق والجزائر. تحدث جوزيف غرين من جامعة هارفارد في بحثه «لا تُري البحر أبداً لعربي...»: ملاحو البحار وملاحو الرمال في متخيل الكلاسيكية المتوسطية»، عن شكوكه العلمية في حكمة أحيقار الآشوري (لا تُري البحر أبداً لعربي، ولا الصحراء لصيدوني، لأن أعمالهم مختلفة). ليؤكد أن الأنباط والفينيقيين كانوا يمارسون تجارتهم براً و بحراً ما دامت تحقق مصالحهم الاقتصادية. وعالجت ورقة جون هيلي من جامعة مانشستر «التباين بين المصادر النقشية والروائية اليونانية واللاتينية وديانة بلاد العرب الشمالية في العصور القديمة»، عبر القيام بتقييم كل نوع من المصادر السابقة وإبراز التباين بينها. وتحدث يان ريستو من جامعة غوتنبرج بالسويد عن «اكتشاف جزيرة العرب وآثار ذلك» متتبعاً أفكار اليونانيين عنها منذ تحديد بلاد العرب ما بين دلتا النيل وفلسطين وخليج العقبة حتى اتساع المفهوم ليشمل الجزيرة العربية بمفهومها الحديث بفضل الحملات الشرقية للإسكندر الأكبر. بينما تحدث بيير شنايدر من جامعة أرتويس بفرنسا عن «اللؤلؤ وصيده في الخليج العربي في المصادر الكلاسيكية»، متحدثاً عن أماكن صيد اللؤلؤ وطريقة الصيد وأسواقه في المصادر الكلاسيكية. وتناولت ماريا ليونتسيني من معهد الدراسات التاريخية باليونان «المفاهيم المتعلقة بالحيوانات في العالم العربي في الكتابات الكلاسيكية»، مركزة على أحوال الحيوانات وقطعان الرعي بالجزيرة العربية، وعمليات الصيد بوصفها تسلية ارستقراطية. تناول محمد عبد الغني من جامعة الإسكندرية «زنوبيا بين المصادر الرومانية والعربية»، مبيناً التباين بين تلك المصادر في تقييم الدور التاريخي لزنوبيا/ الزباء بعد إخضاعها للنقد والتحليل التاريخي الجاد. وتحدث حمد بن صراي من جامعة الإمارات العربية المتحدة عن «بلاد الشرق في الكتابات اللاتينية 2-4ق.م»، مستعرضاً العديد من المصنفات اللاتينية الأدبية والتاريخية من أجل تفهم النظرة العنصرية لدى الرومان تجاه الشرقيين. وتناول قصي التركي من جامعة دهوك بالعراق «الجزيرة العربية في كتاب الاستقصاء لهيرودوت في ضوء الكتابات المسمارية»، مبيناً المبالغات التي سجلها هيرودوت لشمال وشرق الجزيرة العربية والرد عليها من خلال النصوص المسمارية. وتحدث محمد الحاج من جامعة الملك سعود عن «تاريخ كتاب الطواف حول البحر الأريتري في ضوء المصادر النقشية المسندية»، في محاولة لتأصيل شخصيات ملكية وردت عند صاحب الطواف والاستشهاد بنقوش مسندية تدعم الأنشطة التجارية لوادي حريب. بينما عالج الأمين أبوسعدة من جامعة الملك فيصل «سراكينوي: نشأة وتطور اللقب من العصور الكلاسيكية حتى عصر النهضة»، مبيناً رحلة تطور اللقب في المصادر اليونانية واللاتينية والربط بينه وبين شخصيتي سارة وهاجر بالجزيرة العربية، حتى الاستخدام المتنوع للقب في الكتابات الأوربية الوسيطة. وتناول زياد السلامين من جامعة الحسين بن طلال بالأردن «الأنباط وبلادهم في بعض المصادر الكلاسيكية الثانوية»، منوهاً بانتقالهم من مرحلة البداوة الى مرحلة التمدن والتحضر في القرن الثالث ق. م. مع مناقشة ما ورد بتلك المصادر من مبالغات، فضلاً عن الحديث عن تجارة الأنباط. وتحدث الحسين عبدالله من جامعة طيبة بالمدينة المنورة عن «الساحل الغربي للجزيرة العربية كما ورد في كتاب أغاثارخيدس» الذي وصف خليج العقبة وجزره ، ثم تناول الثموديين وخصوبة أرضهم وكثرة جمالهم. قبل أن يتوغل جنوباً للحديث عن الجازانيين والسبئيين وازدهارهم الاقتصادي. وعالجت هند التركي من جامعة الأميرة نورة بالرياض» نظرة الكتاب الكلاسيكيين للبخور في كتابات بلينوس»، متناولة ما ذكره في الجزء الثاني من كتابه عن طيوب الجزيرة العربية ومواسم المحصول وطرق استخراجه وجمعه. واستخدامات البخور في العالم القديم مع التركيز على دور العرب في تجارته. بينما تحدث مدحت عبد البديع من جامعة الملك فيصل بالأحساء عن «موانئ شرق الجزيرة العربية في الكتابات الكلاسيكية»، معتمداً على كتابات أغاثارخيدس وسترابون وبلينوس الأكبر وما ذكره أريانوس عن جزيرتي إيكاروس وتيروس/ البحرين. وتحدثت رحمة السناني من جامعة طيبة عن «ملامح من حياة العرب الاجتماعية قبل الإسلام في المصادر اليونانية والرومانية». واستخلصت الباحثة معلوماتها من هيرودوتس وأريانوس وثيوفراستوس. فضلاً عن يوسيبيوس وبروكوبيوس وغيرهم من الذين حوت كتاباتهم شذرات عن الحياة الاجتماعية لسكان الجزيرة العربية. وعالج رضا عبد الجواد من جامعة الملك سعود « بيئة بلاد العرب الحيوانية في كتابات بليني الأكبر «. وذكر أن بلينوس لم يهتم بجغرافية بلاد العرب وسكانها وثرواتها فقط ، بل تحدث ايضاً عن طيور وحيوانات الجزيرة العربية كالجمال والأغنام وغيرها. ويناقش البحث ما ورد عنده مع ما ورد في باقي المصادر الكلاسيكية والأثرية فضلاً عن النقوش المعاصرة. بينما تناول محمد عبد المؤمن من كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية في جامعة الجزائر «اكتشافات الخليج العربي في كتابات الإغريق والرومان بين مراحل الجهل والاكتشاف والنسيان». وقام خلاله بتتبع المراحل الثلاث التي مرت بها الكتابات الكلاسيكية تجاه الخليج العربي، من الجهل به الى اكتشافه الى تجنب الكتابة عنه لاحقاً، مذكراً أيضاً بضرورة الاستفادة من الاكتشافات الأثرية المتتالية. وتناول إبراهيم مهران من جامعة أم القرى بمكة المكرمة «منتجات الجزيرة العربية وتجارتها الخارجية في كتابات هيرودوت» فيذكر أنه على رغم المبالغات العديدة، فقد أفاض هيرودوت في الحديث عن منتجات وسلع وبضائع الجزيرة العربية كالمر واللبان والقرفة وغيرها. وأن البحث يهدف الى تبيان الملامح الرئيسية لمنتجات الجزيرة العربية وتجارتها الخارجية في العصر الكلاسيكي. وجاءت ورقة سعد الطويسي من جامعة الإمارات العربية المتحدة بمثابة «تقويم نقدي من وجهة نظر آثارية للمصادر الكلاسيكية حول الجزيرة العربية: ديودورس الصقلي حالة دراسية»، مقارناً حديثه عن الأنباط وحياتهم الاجتماعية والاقتصادية بالشواهد الأثرية المتوافرة شمال الجزيرة العربية، وبيان مدى موضوعيته وإمكان اعتباره مصدراً مهماً لتلك الفترة. ويخلص الباحث الى الموافقة على ما ذكره ديودورس بعد ما تأيد بالفعل بالدليل الأثري مثل مسألة أفضلية تربية الضأن على الماعز عند الأنباط. وقدرات الأخيرين على استخراج المياه وتخزينها في آبار خاصة. بينما عالج علي حسن عبد المجيد حنون من جامعة الملك فيصل «تطور الوعي التاريخي ببلاد العرب في المصادر اليونانية»، إذ لم يقصر اليونانيون بلاد العرب على الجزيرة العربية بل أيضاً على عدد مختلف من الأقاليم التي امتدت حتى الضفة الشرقية للنيل وعلى بادية الشام. وفي عام 280 ق.م، تعرفوا من خلال حملة أريستون الاستكشافية الى الساحل الغربي للجزيرة العربية. وعندما ضم الرومان المملكة النبطية عام 106م وأصبحت ولاية عربية، اكتسب لفظا «العربي» و «بلاد العرب» معنى آخر. فقد اختفى بالتدريج العدد المحير «لبلاد العرب» المختلفة من الكتابات اليونانية، وبات المصطلح مقصوراً (تقريباً) على سكان الولاية أو شبه الجزيرة العربية. وتناول منير عريش من المركز الوطني للبحث العلمي بفرنسا «أول ذكر في النقوش العربية الجنوبية للحملة الرومانية في جنوب الجزيرة العربية (25 – 26ق.م): نحو تسلسل زمني مطلق لممالك جنوب جزيرة العرب». فعالج حملة ايليوس جالوس على غرب الجزيرة العربية عبر مناقشة نقشين جنوبيين معاصرين للحملة الرومانية السابقة بالقرب من نجران. الأول نقش نذري قتباني في موقع تمنع عاصمة قتبان، والآخر نقش سبئي من محرم بلقيس بعد مقارنتهما بالنقوش التي تركها ملوك ممالك جنوب جزيرة العرب. وتحدثت هالة يوسف سالم من جامعة الزقازيق بمصر عن «أساطير الترهيب بالحيات في جنوب الجزيرة العربية: دراسة في المصادر الكلاسيكية». فتعرضت للحية كونها معبوداً عند السبئيين والمعنيين، مشيرة أيضاً الى ما ذكره هيرودوت وغيره عن الحيات المجنحة حامية أشجار البخور التي تهاجم جامعي اللبان بالجزيرة العربية. ومذكرة بأن الجنوبيين قد توصلوا الى سبل الوقاية من شرها عبر حرق نوع معين من البخور. كما قاموا بنسج العديد من الأساطير حول تلك الحيات وقدرتها على الأذى والترهيب والحماية أيضاً. وعالجت ورقة عبدالله عبد الجبار من جامعة الملك سعود ومنيرة صالح آل عقيل «أميانوس ماركيللينوس مؤرخاً وشاهداً على العرب». وأشار الباحثان الى تأثر ماركيللينوس الذي عاش في القرن الرابع الميلادي بمنهج الكتاب الكلاسيكيين السابقين في التقسيم الجغرافي لبلاد العرب. غير أن ما يميز كتاباته عن العرب هو معاصرته للأحداث التي كتب عنها، والحملات العسكرية التي اشترك فيها. لذا تمكن من التفريق بين عرب البادية وعرب الحضر. كما أوضح دور العرب في الصراع الساساني الروماني، ودور القوى المحلية، فضلاً عن وصفه بشكل جيد الأحوال الاقتصادية في بلاد العرب. وتناول حسين الشيخ من جامعة الإسكندرية «ميزان مدفوعات تجارة الجزيرة العربية في ضوء المصادر الكلاسيكية»، ويخلص الى أنه كان في مصلحة الجزيرة العربية بسبب هوس نساء روما بالطيوب والعطور والبخور. منوهاً بالمصادر الكلاسيكية مثل استرابون التي رصدت ذلك وأكدته عبر الإشارات المتكررة الى اكتناز الأنباط للذهب، وإشارة بللينوس الى أن العرب هم أغنى أمم العالم. وعالج ممدوح درويش من جامعة المنيا «العرب والفرس في كتابات هيرودوت» متتبعاً النزاع بين الإخمينيين (الفرس) وبلاد اليونان، وأسباب الصراع بينهما. وأشار الى دور عرب الجزيرة في ذلك الصراع ومقاومتهم الغزو الفارسي الذي وصل حتى مصر. كان من أهم توصيات الندوة تبني دارة الملك عبدالعزيز المقترح الذي قدمه الباحثون اليونانيون حول برنامج تعاون في مجال الجزيرة العربية في المصادر البيزنطية باعتبارها الامتداد التاريخي للمصادر اليونانية الكلاسيكية. وهو الأمر الذي سوف يساهم في سبر أغوار نظرة البيزنطيين لبلاد العرب وشعوبها واقتصادياتها منذ القرن الرابع وحتى القرن الخامس عشر الميلاديين.