تتميز مناطق عدة في أحياء القاهرة الفاطمية بنمط غنائي وموسيقي تتفرد به عن غيرها من الأحياء في جنوب مصر وشمالها. ويعتبر حي الحسين في وسط القاهرة الفاطمية أبرز المناطق السياحية لما يحويه من آثار إسلامية يقصدها المصريون والسياح العرب والأجانب. في الحسين يمتزج رحيق عصور مضت مع أصوات الابتهالات التي تتوقف من أجلها أصوات الآلات الموسيقية وشدو المنشدين والمطربين. وكما لكل زمان نمطه لكل مكان حافظ تاريخه وموثق له، ففي حي الحسين نلتقي «الشبح» أو عميد المطربين زكريا أحمد عيسى. موقعه لا تغفله عين، ولا يبذل راغبو الاستماع إلى فنه جهداً في البحث عنه، ففي كل مقهى في الحسين يوجد مجلسه. بدأ زكريا أحمد عيسى رحلة العمل قبل 32 سنة معاونَ حركة في هيئة المواصلات السلكية واللاسكية. يقول ل «الحياة»: «تدرجت في الوظائف حتى منصب المدير في مكتب سنترال قرية المدمر في محافظة سوهاج (جنوب)، بيد أن حبي للغناء دفعني إلى ترك الوظيفة والالتحاق بالمعهد القومي للموسيقى. وسددت رسوم المعهد آنذاك 112 قرشاً، وفرتها من الطباعة على الآلة الكاتبة لكل يوم لمدة 10 ساعات». يضيف: «اكتسبت خلال دارستي في المعهد أصول الأداء الطربي، وهذا ما خوّلني الالتحاق بنقابة الموسيقيين، وحللت ضيفاً في برامج تلفزيونية أبرزها برنامج «حكاوي القهاوي» (قدمته الإعلامية سامية الأتربي للمرة الأولى عام 1990 على التلفزيون المصري) ما عزّز موقعي في الحسين، ورفع أجري بشكل ملحوظ». يحصل المطربون في حي الحسين على أجور زهيدة: «الأجور في مقاهي الحسين تبدأ من 200 جنيه مقابل الغناء لساعة واحدة، وتصل إلى ألفي جنيه أو أكثر، وفق المقهى وحصته من كل جنيه يدفعه المستمعون، علماً أنه تتراوح بين 8 و12 في المئة». وعن نيله لقب «الشبح» يقول: «إذا حاولت أن تسأل عن زكريا أحمد في حي الحسين لن تعثر على أحد بهذا الاسم، فالكل يعرفني ب«الشبح»، وهو لقب أطلقه عليّ رجل عربي اعتاد زيارة القاهرة والاستماع إليّ. في الوقت نفسه ظهرت السيارات الفارهة التي لقبها المصريون ب «الشبح»، وكان الرجل العربي من مقتني هذا التنوع من السيارات، ووصفني لجودة الأداء بهذا اللقب، ولتمكني من كل أدواتي». لا يعلم الناس متى أصبح لمنطقة الحسين مطربوها، وفي كل مقهى الآن مطرب أو اثنان، ممن يؤدون الأغنيات التراثية والحديثة، مقابل جنيهات يتم الاتفاق عليها مسبقاً. ولكل مطرب سعر خاص يحدده مقابل غناء ساعة أو أقل، وللمقهى نسبة من كل هذا، فهو المسرح حيث ينشط «مطربو الحسين» الذين يحمل «الشبح» رايتهم.