قد تبدو المواجهة بين التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي (سوشِل ميديا) أشبه بمعركة مفتوحة، وإن راح بعضهم يُعلن «مبكراً» هزيمة التلفزيون أو موته. فالدراسات العالمية تسجّل ارتفاعاً مطرّداً في نسب مستخدمي ال«سوشِل ميديا» التي تحولّت، بصورة غير متوقعة، من مساحة افتراضية للنقاش واللقاء إلى بديل للتلفزيون، ما ترك تأثيراً جلياً في المنظومة الإعلامية ككلّ. ولكن، من يقرأ تقارير معاهد الصحافة العالمية واستنتاجات المتخصصين في هذا المجال، يعرف أنّ التلفزيون لن يختفي بتاتاً من حياتنا، إلا انّ بقاءه سيكون منوطاً بشروط «الإعلام الافتراضي» الجديد وسياسته. وإذا كان ثمة فئة من الشباب (بين 17 و24 سنة) هجرت التلفزيون، بمواده التقليدية، متجهةً نحو الوسيلة الأكثر سرعةً وسهولة، فإنّ لهذه الفئة تأثيراً غير خفي على المحتوى التلفزيوني نفسه نتيجة التفاعل المباشر معه. لا شكّ إذاً في أنّ ال»سوشل ميديا» استحالت سلطةً تُخضع التلفزيون وأربابه لشروطها الخاصة جداً، لكونها سمحت للمشاهد أن يغدو شخصاً فاعلاً لا ينقاد لما تفرضه الشاشة عليه، بل إنه هو من يفرض خياراته على الشاشة. يُشارك في ما يعجبه، وينتقد ما لا يعجبه، بكبسة زر. هكذا صار التلفزيون نفسه منساقاً لمزاج روّاد التواصل ممن يُشكلّون فئة واسعة، ومستهدفة دائماً. ودرجت العادة أخيراً على استخدام الشاشة التلفزيونية منبراً للردّ على روّاد المواقع الذين يقودون حملات ضد سياسيين أو شخصيات معروفة (وحتى أصحاب تلفزيونات) تضطر لمواجهتهم خوفاً من تأثيرهم الكبير في الرأي العام. ولعلّ قضية المشتركة السورية المحجبة في برنامج «ذا فويس» دليل دامغ على جدلية العلاقة بين التلفزيون ومواقع التواصل، إذ ساهم المتابعون ال»فايسبوكيون» لها في انسحابها من البرنامج التلفزيوني، بعدما نبشوا تعليقات قديمة كتبتها على صفحتها عقب الهجوم الإرهابي على باريس مرة، وموقفها من حكومة إسرائيل مرّة أخرى. وعربياً، أثّر مزاج ال»فايسبوكيين» في صيغة البرامج الحوارية (التقليدية) التي تسيطر على الشاشات العربية، فأرغموا أصحاب المحطات على الاستعانة بوجوه جديدة برزت على شاشات التواصل، جاعلين من ال»يوتيوب» مختبراً للنجوم الجدد، وصانعاً لظواهر تلفزيونية شغلت العالم، مثل باسم يوسف وأبلة فاهيتا. وفي أحيانٍ أخرى، سمحت وسائل التواصل لبرامج تلفزيونية معينة بأن تحظى بنجاح مضاعف نتيجة تحميل الحلقات ومشاركتها إلكترونياً. هذا ما حصل أخيراً مع برنامج «ذا فويس كيدز» (أم بي سي، وأل بي سي)، إذ اختُتمت الحلقة الأخيرة محققةً نحو 33 مليون مشاهدة إلكترونية، لينطلق الموسم الرابع من برنامج «ذا فويس» (الكبار) عبر حلقةٍ أثارت اهتمام روّاد مواقع التواصل الذين تناقلوا فيديوات بلغت نسب مشاهدتها الملايين في غضون أسبوع واحد. ولا شكّ في أن إدارة «إم بي سي» فهمت اللعبة الإعلامية المستجدة، ودرست مزاج المشاهد الافتراضي الذي يبحث دائماً عن التميّز والاختلاف. لذلك، نرى أنّ معظم أصوات «ذا فويس» في دورته الحالية (عُرضت منه حلقتان حتى الآن) يختلف عمّا اعتدناه في المواسم السابقة. وهذا ما يؤكده تفاعل ال»فايسبوكيين» مع فيديوات بعض المشاركين ممن قدّم أنماطاً غنائية جديدة بأساليب مختلفة، كالمتسابق المغربي المتخصص في تقديم التراث الأندلسي، والبحريني الذي غنّى «دمعي جرى بالخدود». أمّا العراقية دموع، فغنّت بصوتها الرخيم أغنية «تايبين» لتُحقّق وحدها نحو 6 ملايين مشاهدة في الأسبوع الأول. بين وسيلة إعلامية راسخة (التلفزيون) وأخرى مستجدة (الإنترنت)، قد تُدشن مرحلة جديدة عنوانها التكامل بدلاً من التصارع. وهذا إن دلّ فعلى ثورة إعلامية قوامها المشاهد الفاعل والمتحرّر من قيودٍ فرضتها المؤسسات الإعلامية المسيّسة على مدار عقود.