يجمع المراقبون السياسيون ووسائل الإعلام في تركيا، على أن الحملة للانتخابات الاشتراعية المقررة في 12 من الشهر الجاري، هي الأسوأ والأدنى مستوى من ناحية الفكر السياسي، في التاريخ الحديث للجمهورية التركية. مع إغلاق أو تجاهل «حزب العدالة والتنمية» الحاكم ذي الجذور الاسلامية ملفات خلافية عدة كانت مركزاً للنقاش السياسي الساخن مثل مسألة الحجاب والتعليم الديني ودور الجيش في السياسة والأزمة الاقتصادية، يبحث الحزب عن ملفات جديدة تكون وقوداً لحملته الانتخابية المستعرة والمرشحة لأن تصبح الأكثر سخاءً في تاريخ الإعلان السياسي في تركيا. في هذا الإطار، يخصص رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير الخارجية أحمد داود أوغلو الذي أظهر براعة في التحوّل إلى العمل السياسي على الأرض، في شكل أسرع مما كان متوقعاً لديبلوماسي وأكاديمي مثله، جزءاً من حواراتهما مع وسائل الإعلام لكيل الاتهامات لإسرائيل، بسبب قتلها تسعة أتراك خلال الهجوم على قافلة سفن الحرية التي توجهت الى قطاع غزة العام الماضي. وتنبّهت وسائل الإعلام الإسرائيلية إلى هذه القضية، إذ أوردت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن المسؤولين الاسرائيليين يتجاهلون عمداً الردّ على تصريحات أردوغان وداود أوغلو، لحرمانهما من أي شعبية إضافية قد يحصلان عليها من اشتعال السجال وتبادل الاتهامات. لكن أردوغان استطاع أن يجعل هذا الصمت لمصلحته أيضاً، عازياً حرص إسرائيل على ألا تزيد أصوات حزبه، الى مساندتها «حزب الشعب الجمهوري» المعارض وتمنّيها تغيير الحكومة التركية التي وقفت نداً لها. ولم يكتفِ أردوغان بذلك، بل عزّز المشهد بالملف السوري، زاعماً أن إصدار الرئيس بشار الأسد عفواً عاماً أتى بناءً على نصيحة منه خلال اتصال هاتفي بينهما أخيراً، مبشراً بأن الخطوة التالية للأسد ستتمثّل في تعديل الدستور، بناءً على نصيحة منه أيضاً. في المقابل، دافع رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليشدارأوغلو عن حزبه، نافياً أي علاقة له بإسرائيل، ودعا اردوغان الى أن «ينظر في المرآة ويرى من نال جائزة من اللوبي اليهودي في أميركا، بسبب صداقته مع إسرائيل، وأن يقدّم كشف حساب للناخبين عن عجز حكومته عن تنفيذ أي شيء لمحاسبة إسرائيل بسبب قتلها أتراكاً، سوى الشكوى». في موازاة ذلك، صبّ أردوغان غضبه على وسائل الإعلام التركية والدولية، بعدما نشرت مجلة «ذي إكونوميست» البريطانية تحليلاً أشارت فيه إلى ضرورة مساندة المعارضة في الانتخابات، لقطع الطريق على «حزب العدالة والتنمية» الذي اعتبر أنه قد يسعى الى تحويل تركيا إلى دولة ذات نظام حكم ديني ديكتاتوري، إذا خرج أكثر قوة من الاقتراع، على رغم إصلاحاته ونجاحاته خلال سنوات حكمه. واذ اتهم أردوغان المجلة بال «الجهل والتحريض»، فإنه انتقد كتاباً وصحافيين أتراكاً، بعدما شبّهوه برئيس شركة تجارية، معتبرين أنه أفضل من يقترح مشاريع إعمارية وتجارية وإنمائية وينفذها في تركيا، لكنه لم ينجح حتى الآن في تسوية القضايا السياسية العالقة في البلاد، مذكّرين رئيس الوزراء بأنه استفاد كثيراً سابقاً من مساندة وسائل الإعلام الأوروبية له، ومن صداقته مع حكومات إسرائيلية سابقة سخّرها محاولاً أداء دور الوسيط في عملية السلام في المنطقة، كما أعربوا عن دهشتهم من قدرته على الاستفادة سياسياً من العلاقات مع إسرائيل، في عدائه لها وصداقته معها على حد سواء.