خفضت «موديز» التصنيف الائتماني للبحرين ليصبح Baa1 خلال الأيام الماضية، واستندت في هذا التخفيض إلى ثلاث عوامل رئيسة، هي أولاً تأثير الأحداث السياسية الأخيرة في النشاط الاقتصادي مثل الخدمات والسياحة، وثانياً تأثيرها في الموازنة العامة للدولة، وثالثاً تأثيرها في الوضع المصرفي في البلاد. وعليه لا بد من التأكيد أننا لسنا بوارد نفي تأثير الأحداث في البحرين، فهي مسألة شخّصها الجميع، وعلى رأسهم القيادة السياسية للبلاد التي باشرت التعامل معها بكل حكمة، واتخذت العديد من التدابير لمعالجتها، ولا شك في أن إعلان الملك بدء الحوار الوطني الشامل إنما يأتي في صلب هذه المعالجات، إضافة إلى العديد من التدابير الاقتصادية وفي مقدمها إعلان أكبر موازنة في تاريخ البحرين بغرض تحريك عجلة الاقتصاد نحو مواصلة النمو وإنعاش مختلف القطاعات الاقتصادية، علاوة على إعفاء نشاطات من الرسوم وغيرها. وفي كل الأحوال ارتبط موضوع الساعة بردود فعل مبالغ فيها من قبل وكالات التصنيف الائتمانية إزاء ما التطورات التي يشهدها اقتصاد البحرين في صورة خاصة، واقتصادات دول مجلس التعاون في شكل عام. فهذه الوكالات على ما يبدو لا تفرّق حتى الآن بين التحولات القريبة الأجل التي تشهدها هذه الاقتصادات بحكم اعتمادها الكبير على النفط، وما تحدثه تقلبات أسعاره من تأثيرات مباشرة في أدائها، وبين الأصول الاقتصادية المتينة والبعيدة الأجل التي يملكها اقتصاد البحرين وتؤمّن له نمواً مستداماً بغض النظر عن التغير الطفيف في معدلات النمو التي تحدث بين فترة وأخرى. لقد كرست البحرين عبر السنوات الماضية، العديد من الدعائم القوية التي تضمن لها نمواً اقتصادياً مستداماً، يأتي في مقدمها التنويع الاقتصادي، فالنمو المتحقق سنوياً تساهم فيه القطاعات كلها، مثل المصارف والسياحة والخدمات والصناعة والاتصالات والتجارة وغيرها. وفي عودة إلى ما أوردته الوكالة كأسباب للتخفيض الائتماني، نستذكر هنا تقريراً اقتصادياً أعده معهد التمويل الدولي، وهو أحد أكبر المعاهد العالمية الاقتصادية المتخصصة، حول اقتصاد البحرين وأصدره مطلع أيار (مايو) أكد فيه سلامة الأوضاع الاقتصادية وقدرة اقتصاد البحرين على تحقيق معدل نمو لهذا العام يفوق ثلاثة في المئة، أي أنه بعيداً كلياً عن حال الركود أو الكساد. وشدد على أن تأثر بعض القطاعات مثل السياحة بالأحداث الاقتصادية سيعوضه نمو كبير في نشاطات أخرى مثل الصناعة، خصوصاً الألومنيوم بسبب الارتفاع الكبير في أسعار الألومنيوم عالمياً، كذلك قطاع الاتصالات الذي ينشط بقوة هذه الأيام. وفي ما يخص السياحة، ثمة جهود كبيرة لإعادة «الفورمولا واحد» للبحرين نهاية السنة، كذلك تنظيم العديد من المؤتمرات والمعارض، علاوة على تجميد الرسوم الحكومية على الفنادق. ويُتوقع أن يرتفع نمو قطاع الإنشاءات بسبب مشاريع البنية التحتية والعمرانية التي أعلنت عنها الحكومة وعدد من المؤسسات المالية والاستثمارية الرئيسة في البلاد كان آخرها إعلان «مجموعة البركة المصرفية» مواصلة إنشاء مبناها الرئيس في خليج البحرين بكلفة 100 مليون دولار. وعلى صعيد المالية العامة للدولة، والتي توقعت «موديز» تأثرها سلباً بالأحداث السياسية، توقع تقرير معهد التمويل الدولي، على العكس من ذلك، أن تحقق الموازنة المالية للدولة لعام 2011 فائضاً بمقدار 160 مليون دينار (424.5 مليون دولار) إذ تصل الإيرادات إلى 2.98 بليون دينار، في حين تبلغ النفقات 2.82 بليون دولار على افتراض متوسط سعر النفط 115 دولار للبرميل. وسيتحقق فائض تجاري بمقدار 5.8 بليون دولار، إذ يُتوقع نمو الصادرات بنسبة 45 في المئة، يساهم فيها نمو الصادرات النفطية وغير النفطية وبخاصة الألومنيوم. أما القطاع المصرفي، فحقق نمواً قوياً خلال عام 2010، إذ سجل صافي أرباحه نمواً ملحوظاً بلغت نسبته 49.9 في المئة وبلغت الأرباح 87.7 مليون دينار، مقارنة بالأرباح المسجلة عام 2009 والبالغة 58.5 مليون دينار. ولجأت المصارف كلها إلى ممارسة سياسة تحفظية في ما يخص توزيع الأرباح وبناء المخصصات، ما يجعلها في وضع قوي لامتصاص أي صدمات موقتة. ويؤكد تقرير معهد التمويل الدولي، أن المصارف البحرينية أثبتت سلامة أوضاعها خلال الأحداث الأخيرة، إذ لم يعانِ أي منها مشكلات سيولة أو مشكلات تشغيلية، ووفّر مصرف البحرين المركزي تسهيلات كبيرة لها، بل وطلب منها إبداء مرونة إزاء احتياجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أثناء الأزمة، وأبدى المصرف استعداده لتأمين احتياجات أكبر في حال تطلب الأمر ذلك. وأخيراً وكتأكيد على ما سبق أن ذكرناه في بداية المقال حول ضرورة رؤية ما يمر به الاقتصاد البحريني حالياً كحالة موقتة، وهو قادر على تجاوزها سريعاً، يؤكد تقرير معهد التمويل الدولي أن اقتصاد البحرين سيحقق نمواً مقداره 5.1 في المئة خلال عام 2012، ما يعني بوضوح عودته لتحقيق معدلات النمو المرتفعة خلال الأشهر المقبلة. * رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية