إن الإبداع في إلقاء الخطاب السياسي ما بين الديماغوجية الشعبوية والهتاف والتصفيق، لهو المعنى نفسه الذي يحمل في ثناياه كلمتي «النفاق» و«الكذب»، حيث يحكى أن تلك الكلمتين اجتمعتا في يوم من الأيام «ما بين الماضي والحاضر» وكوَّنتا كلمة تسمى «سياسة»، ليتضح للعاقل والمعقول، وللفاعل والمفعول به، أن الخطابات النظرية تحتاج إلى واقعية للتطبيق، فهناك فرق بين النظرية والتطبيق على أرض الواقع بما تحويه من أفعال الماضي والحاضر. إن خطاب أوباما في القاهرة (أمام الرئيس المخلوع حسني مبارك)، حمل في طياته الكثير من العبارات النظرية والهيامية، من تفكير وتنظير وعلامات للتعجب والحيرة والانتظار، من خلال ما قاله: «إن الاستيطان الإسرائيلي غير شرعي، ويحق للفلسطينيين أن يعيشوا حياة كريمة في ظل دولة فلسطينية»، وهذا يذكرنا بما قاله ايهود باراك في عام 1998، حينما رشح نفسه للانتخابات تحت اسم «الحمائم»: «لو كنت فلسطينياً، وفي العمر المناسب، لأصبحت في مرحلة ما عضواً في إحدى المنظمات الفلسطينية المقاومة...». ولكن في ما بعد، أصبح خطاب باراك مغايراً للواقع الخطابي السابق، الذي تجسد بمجازر ضد الشعب الفلسطيني المقاوم، ليتبين أنه خطاب تكتيكي مرحلي. إن الخطاب الديماغوجي يجسد كلمة اعتاد الساسة على أدلجتها وفق مقولات «تدغدغ» الحشود وتلهب مشاعرها بالتصفيق والهتاف، على أمل أن يتجدد الواقع المزري إلى ما هو أحسن، فهل خطاب أوباما يحمل أشياء جديدة؟ أجل، يحمل أشياء جديدة، ولكنها أشياء تشبه ما جاء به خطاب باراك، وهذا واضح من خلال قول أوباما: «إن الشعب الأميركي تربطه علاقات ثقافية وسياسية قوية بالشعب الإسرائيلي، ولن يستطيع أي إنسان أن يُحدث شرخاً في تلك العلاقة». اللافت أن أوباما - ومن أجل المصداقية - قام بأدلجة خطابه وتطعيمه بنصوص من القرآن الكريم، الذي يعني انطلاق مرحلة يغازل فيها الجانب العربي ديماغوجياً (ضحك على اللحى) وعلى الوتر الحساس، وتر الحس الديني، وهذا يذكّرنا بما فعله نابوليون، عندما أعلن إسلامه أثناء احتلال القوات الفرنسية مصر، لكسب مشاعر الشعب المصري. ان الخطاب بمعنى الخطاب ليس مجرد كلمات وعبارات تطلق في الهواء هكذا لإحداث صدى جماهيري، ولكنها نصوص يجب ان تترافق مع واقع عملي يسير على طريق المصداقية، وبما ان أوباما يمتلك كاريزما قوية، فقد أثبت من خلال خطاباته انه مبدع في إلقاء الخطاب السياسي الديماغوجي، حيث تجاوز في ذلك فنون الخطابات العربية.