يواكب الأزمة السياسية في جزر المالديف، تنافسٌ صيني- هندي للهيمنة الاستراتيجية على الأرخبيل في المحيط الهندي. ومع بوادر الأزمة التي أثارها مطلع الشهر الجاري قرار المحكمة الدستورية إطلاق معارضين سياسيين للرئيس عبدالله يمين، بينهم منافسه الرئيس السابق محمد نشيد، أعربت بكينونيودلهي عن رغبتهما في الامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للمالديف، وحافظتا على لغة ديبلوماسية، من دون أن يلغي ذلك أطماعهما الاستراتيجية. وكان يمين أرسل موفدين إلى «دول صديقة»، هي الصين وباكستان والمملكة العربية السعودية، لشرح موقف حكومته ودوافع رفضها قرار المحكمة العليا. وفَرَض الأسبوع الماضي حال طوارئ في البلاد، وأوقف قاضيَين من المحكمة، ما أثار اعتراضات في شأن تعامله مع المعارضة وتضييقه عليها وإحكام سيطرته على الحكم، قبل انتخابات الرئاسة المرتقبة هذا العام. في المقابل، حضّ خصمه محمد نشيد الهند، «باسم شعب المالديف»، على «إرسال موفدين مدعومين بجيشها، لإطلاق القضاة الموقوفين». وتضمّ المالديف 1200 جزيرة، ويقطنها 390 ألف مسلم سنّي، وتدور تاريخياً في فلك الهند، التي تدخلت عام 1988 لمنع انقلابيين من استلام الحكم. وساهم تدخلها في بقاء «رجلها الأقوى» مأمون عبدالقيوم في السلطة لثلاثة عقود، وفي تحوّل محمد نشيد أول رئيس مُنتخب ديموقراطياً في تاريخ البلاد، والذي ذاع صيته حين طرح جزر بلاده الواطئة نموذجاً لأخطار ارتفاع منسوب مياه البحر وتغيّر المناخ. وبدأت سياسة المالديف تميل الى الصين، مع فوز عبدالله يمين، الأخ غير الشقيق لعبدالقيوم، على نشيد وترؤسه البلاد عام 2013. ومعه تراجعت الإنجازات الديموقراطية التي تحققت خلال عهد نشيد، فسجن أو نفى جميع خصومه المحتملين، وقيّدت حكومته حرية التعبير والتظاهر، وفرضت عقوبات مشددة على إعلاميين معارضين. وحُكم على نشيد بالسجن 15 سنة عام 2015، قبل أن يحصل على اللجوء في بريطانيا. يقول ماهالاكشمي غاناباثي، وهو خبير في الشؤون الصينية- الهندية في «معهد الدراسات الدولية» في سنغافورة، إن بكين رأت في هذه التطورات مدخلاً لها، وزاد: «حتى العام 2011، لم يكن لدى الصين سفارة في المالديف، أما الآن، فتُعتبر لاعباً بارزاً في منطقة المحيط الهندي كلها». ووقّع البَلدان اتفاق للتجارة الحرة، عندما زار يمين بكين في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، تلغي غالبية الرسوم على صادرات المالديف، خصوصاً الأسماك، وتفتح أسواقها أمام البضائع والخدمات الصينية، في قطاعات التمويل والصحة والسياحة. وتُعتبر الصين الآن المصدر الأهم للسياحة في المالديف، ورافعة اقتصادها، من خلال استثمارها بمئات ملايين الدولارات في توسيع المطار، وفي مشاريع سكنية واستثمارات أخرى. وتعتبر بكين المالديف جزءاً أساسياً من مشروع «حزام واحد طريق واحد»، المعروف باسم «طريق الحرير الجديد»، ويربط بين المحيط الهندي وآسيا الوسطى، تعزيزاً لتجارة الصين وحضورها على امتداد آسيا وأفريقيا وأوروبا. لكن سياسة القروض الصينية الضخمة والطويلة الأجل للدول النامية، تثير مخاوف في شأن القدرة على سدادها، وبينها مشروعان لتوسيع مرفأين في سريلانكا وباكستان. وفي هذا السياق انتقد نشيد الصين، معتبراً أنها «تشتري المالديف»، ومتهماً يمين بتأمينه موطئ قدم للاستثمارات الصينية، من دون رقابة أو شفافية. ونفت بكين هذه «الادعاءات»، لكنها تراقب الوضع عن كثب، لأن عودة نشيد إلى السلطة تقلب ميزان النفوذ لمصلحة نيودلهي. ولا تخفي الهند انزعاجها من الحضور الصيني في «باحتها الخلفية»، ولم توضح موقفها إزاء دعوة نشيد لها الى التدخل في النزاع، لكنها أوقفت اجتماعاتها العلنية مع موفديه. ووجّهت وزارة الخارجية الهندية، قبل أيام، رسالة إلى بكين ورد فيها: «تقول الصين إن حكومة المالديف قادرة على حماية أمن الشخصيات والمؤسسات الصينية فيها، ونأمل بأن تؤدي كل الدول دوراً إيجابياً في هذا البلد، لا العكس». وعلّق دييفد برويستر، وهو خبير في الشؤون الاستراتيجية للمحيط الهندي في «معهد الأمن القومي» لجامعة كانبيرا الأسترالية، قائلاً: «تبدو الهند في وضع حرج. إبدال الرئيس يمين جيد، لكن الوسيلة لذلك تبدو غير مؤكدة. لا يعني الهند الحفاظ على الديموقراطية في هذا البلد، بل خفض التأثير الصيني فيه».