عقب نحو 23 عاماً أمضاها الفنان التشكيلي فاروق حسني في منصب وزير ثقافة مصر، وقع الاختيار على الناقد جابر عصفور، ثم المهندس محمد الصاوي، على التوالي، ليخلفاه في المنصب، في ذروة أحداث ثورة 25 يناير. عصفور استقال سريعاً ل «ظروف صحية». وترك الصاوي، الذي يدير منتدى ثقافياً أهلياً، المنصب بعد إقالة الحكومة نزولاً على رغبة الثوار. وأُسندت إلى عماد أبو غازي في اوائل آذار (مارس) الماضي حقيبة الثقافة ضمن الحكومة الجديدة، وكان آخر منصب تولاه قبل الوزارة هو الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، إلى جانب أنه أستاذ مساعد في كلية الآداب - جامعة القاهرة. وفي ما يأتي نص مقابلة أجريناها مع الوزير أبو غازي في مكتبه: هل كنت تتوقع اختيارك وزيراً للثقافة في الظروف التي أعقبت ثورة 25 يناير؟ - لم أفكر في الموضوع قبل الاختيار، لكنني في الوقت نفسه لم أتردد في قبول المنصب. أعمل من سنة 1999 في الوزارة إلى جانب عملي في الجامعة. وقبل ذلك تعاونت عن بُعد مع الوزارة في لجان وغير ذلك. وقد اعتبرت التخلي عن المسؤولية نوعاً من الخيانة. صحيح أنني لم أتوقع توزيري، لكن الموضوع كان وارداً بعدما تردد اسمي أثناء الثورة في أوساط الشارع السياسي ومجموعات «الفايسبوك». حتى عملي في المجلس الأعلى للثقافة لم انقطع عنه في ذروة الثورة، كنت أداوم يومياً في مكتبي إلى أن يقترب موعد حظر التجوال، فأغادره لأعود إليه مجدداً في اليوم التالي. هل وجدت الوزارة أليفة باعتبار أن والدك الناقد التشكيلي بدر الدين ابو غازي كان وزيراً للثقافة وخال والدك هو محمود مختار أحد أعلام الفن المصري؟ - ارتباطي بأسرة الثقافة فيها مكون أساسي يجعلها أليفة. الوالد تولى الوزارة لفترة وجيزة، وتأثيره كمثقف وكناقد وكإنسان، سند قوي لي في حياتي كلها. بصفتك وزيراً ومنتجاً ثقافياً، هل ترى في ثورة 25 يناير ضربة لنظام 23 يوليو في وجوهه المتنوعة وآخرها وجه الرئيس السابق حسني مبارك؟ - كباحث في التاريخ لا أرغب في التسرع في إصدار الأحكام، المؤكد أن ثورة 25 يناير هدف أساسي من أهدافها هو ضرب الاستبداد والحكم الشمولي، لكن تفسير مجمل ما حدث يحتاج الى بعض الوقت. كناشط سياسي قبل أن تكون وزيراً، كيف تنظر إلى حجم «التغيير» الذي تحقق على الأرض منذ 25 يناير وحتى اليوم، وما هي المهمات المطلوبة في المرحلة الحالية لتعزيز هذا التغيير؟ - المهمات المطلوبة في شكل أساس تتمثل في تعديلات تشريعية تضمن التداول السلمي للسلطة واحترام المبادئ التي قامت عليها الثورة، كالديموقراطية والكرامة والإنسانية والعدالة الاجتماعية. ومطلوب دعم هذه التحولات في شكل سريع، لأننا مقبلون على مرحلة انتخابات تشريعية ورئاسية، ومن دون الإعداد التشريعي الجيد الذي يقوم على حوار في المجتمع ستكون هناك مخاطر حقيقية على الثورة. هذه هي رؤيتي كمحلل وليس كناشط سياسي. النظام السابق أنشأ وزارة الثقافة والارشاد القومي (شطبت الصفة الأخيرة لاحقاً). هل ترى ضرورة لوجود هذه الوزارة في الأصل، وهل كانت العلاقة بينها وبين منتجي الثقافة ايجابية ومثمرة دائماً؟ - وزارة الارشاد سابقة على وزارة الثقافة، إذ إنها أنشئت عام 1952 عقب الثورة بأشهر قليلة، وكان صاحب الفكرة هو فتحي رضوان، وهو سياسي ينتمي الى العهد السابق على الثورة ومن السياسيين القدامى القليلين الذين تعاملوا مع النظام الجديد. في مرحلة لاحقة لتأسيس وزارة الثقافة (1958) دمج معها لمرات قليلة الارشاد القومي والإعلام ولكنها في الأغلب كانت مستقلة وتفاوت تفاعلها مع المبدعين من مرحلة الى مرحلة، وأسوأ مراحلها تلك التي شهدت اندماجاً مع الارشاد أو الاعلام. ظهرت عقب 25 يناير أصوات تنادي بإلغاء وزارة الثقافة على اعتبار أنها من مستلزمات النظم الشمولية، كيف تنظر إلى هذا الأمر؟ - وزارة الثقافة ضرورية ومهمة في الحياة المصرية ولا يتعارض وجودها مع وجود نظام ديموقراطي. الارشاد القومي لا معنى لوجودها في ظل نظام ديموقراطي، فتحي رضوان اقترحها اتساقاً مع أفكاره في ذلك الحين، التي كانت تميل نوعاً ما إلى الشمولية، لكنه تحول في سنواته الاخيرة الى مدافع عن الديموقراطية في بناء الحياة الثقافية المصرية. وأنا أرى أن هناك ثلاث دعائم لا بد منها، هي: مؤسسات الدولة – المجتمع المدني – النشاط الثقافي الخاص الربحي. هذه الدعائم ضرورية لبناء حياة ثقافية سليمة في مصر. المهم ألا يطغى جانب على آخر. أنا ضد وصاية وزارة الثقافة على الحياة الثقافية ومع إشرافها على مؤسسات الدولة الثقافية بعد اعادة هيكلة هذه المؤسسات، وأؤيد استقلال جزء منها عن الوزارة، وفي المجمل أرى أن وزارة الثقافة ضرورية ولازمة في مرحلة طويلة مستقبلياً، وليس صحيحاً أنه لا توجد وزارات للثقافة في الدول الديموقراطية عموماً. يقترح البعض إنشاء وزارة للتراث تعنى بالآثار ووجوه التراث المصري الأخرى، والانفتاح على التراث العالمي عبر برامج متجددة للترجمة... - حالياً، هناك وزارة دولة للآثار في مصر، أما المحافظة على التراث غير المادي كالمخطوطات والوثائق فتقع على عاتق وزارة الثقافة. وشخصياً، أرى أن الأنسب هو أن يتولى إطار وزاري واحد مسؤولية الحفاظ على التراث بشقيه المادي وغير المادي. الحفاظ على التراث إحدى مسؤوليات وزارتنا، كذلك دعم النشاط المستقل، وهذا يقوم به «صندوق التنمية الثقافية» الذي يعاني الآن من مشكلات كبيرة في التمويل أتمنى أن نتجاوزها. وزارة الثقافة ليس دورها الأساس أن تنتج الابداع. دورها أن تكون وسيطاً وحاملاً للإبداع لكل المواطنين، وأن توفر ساحات للإبداع، حتى للهواة. هناك تقصير في التعامل مع الثقافات الافريقية الى حد كبير وبدرجة أقل مع الثقافات في العالم الإسلامي، كيف يمكن تجاوز هذا التقصير؟ - المجال الأفريقي فيه تقصير شديد، وحالياً نحاول توجيه جزء أساسي من عملنا نحو الثقافات الافريقية. في 2010 نظمنا عبر المجلس الأعلى للثقافة ملتقيين أفريقيين، وقررنا عقد ملتقى ثقافي أفريقي في القاهرة مرة كل عامين. وكذلك رتبنا ملتقى للفنون الأفريقية في أسوان في 2011 ومهرجاناً للسينما الافريقية في بداية 2012. هناك أيضاً استراتيجية وضعها رئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية في الوزارة حسام نصار لإعادة هيكلة توجهات السياسة الثقافية الخارجية، بغرض الاهتمام أكثر بأفريقيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق، ومعظمها ينتمي إلى المنظومة الاسلامية. وفي هذا المجال نرتب مع مركز بحوث الحضارة الإسلامية في اسطمبول، لتنظيم ملتقى ثقافي اسلامي كل عامين. كيف تنظر إلى انتقادات توجهها جماعة «الإخوان المسلمين» لسياسات وزارتك، ومنها مثلاً اتهامك بإهدار المال العام على خلفية موافقتك على تنظيم معرض لصور الثورة يقام خارج مصر؟ - لا أعتقد أن الانتقاد صادر عن الجماعة، بل عن أحد الكتاب، ولا أوافق عليه، فالمعرض أقيم بجهود أهلية. وافقنا على سفر هذا المعرض بناء على طلب الجاليات المصرية في عدد من الدول الأوروبية. المهندس ممدوح حمزة، وهو ناشط سياسي معروف أنجز هذا المعرض على نفقته، ونحن وضعناه ضمن إطار أنشطتنا، فقطاع العلاقات الثقافية الخارجية مهمته تقديم الثقافة المصرية في الخارج، والمعرض محل النقد يشكل دعاية لمصر يفوق مردودها أي نفقات تتعلق بإنجازه وجولته في أوروبا. خطط الاحتفال بمئوية نجيب محفوظ تجمدت. ألا تنوون إحياء ولو بعضها قبل انصرام العام الحالي؟ - لم تجمد بالكامل. فهناك أنشطة عدة ستقام في هذا الإطار خلال الشهور المتبقية من عام 2011 وأبرزها افتتاح مركز نجيب محفوظ الذي يضم متحفاً لمقتنياته يوم 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل والذي يوافق عيد ميلاده المئة. نتيجة بعض الشمولية للنظام السابق تمت عملية قطع ثقافي متبادل بين الداخل المصري ووجوه الجاليات المصرية في الخارج، وجوه لها مكانة بارزة في الولاياتالمتحدة وغيرها في مجال الحقوق والفن التشكيلي والسينما والأدب. هل من تحفيز للاهتمام بالاتصال؟ - جزء من خطة العلاقات الثقافية الخارجية حتى قبل الثورة كان في سبيله للانطلاق، وبعد الثورة بات أكثر إلحاحاً، خصوصاً بعدما حصلت الجاليات المصرية على حق التصويت في الانتخابات. التفاعل الثقافي سيتعزز مع الجاليات، خصوصاً في الولاياتالمتحدة وكندا وأستراليا، ثم في الخليج العربي. ففي دبي مثلاً طلبوا مني انشطة ثقافية مصرية لهم ولأهل البلد. أنت عضو في حكومة انتقالية ستستبدل في غضون شهور قليلة بحكومة أخرى، هل دفعك ذلك الى التركيز على أمور معينة بغرض انجازها في زمن قياسي؟ - أعمل على أكثر من مستوى. مثلاً نحل مشكلات آنية تخص العاملين في الوزارة من إداريين ومبدعين، في إطار مفهوم تسيير الأعمال. أضع تصورات وخططاً تتحقق في المديين المتوسط والطويل بغض النظر عن المدة التي سأقضيها في منصبي. هذه الخطط والتصورات تلائم المرحلة الجديدة، التي يمكن أن تكون برلمانية بالكامل أو رئاسية أو خليطاً. أضع تصوراتي لسياسة ثقافية متكاملة تلائم المرحلة المقبلة ليتحقق بعضها في المدى القريب وبعضها في المديين المتوسط والطويل. كأستاذ للتاريخ في جامعة القاهرة، كيف تنظر إلى ثورة 25 يناير؟ - ما حدث في مصر هو بمثابة «تسونامي» سيترك أثره في محيطها حتماً. ثورة 25 يناير، وقبلها ثورة تونس، تتميز بأنها غير مسبوقة في تعبيرها عن عصر المعرفة. الثورات السابقة في التاريخ الإنساني الحديث كانت تعبيراً عن عصر الثورة الصناعية، وينطبق ذلك حتى على ما حدث في شرق أوروبا منذ أواخر ثمانينات القرن المنصرم. ثورة 25 يناير هي أول ثورة شعبية في تاريخ مصر الحديث، فما سبقها كان مرتبطاً بالنظام بصورة أو بأخرى وينطبق ذلك على الأحداث التي أوصلت محمد علي إلى الحكم في 1805 وعلى ثورة عرابي 1881 وثورة سعد زغلول 1919 وثورة 1952. ثورة 25 يناير هي ثورة شارع ولا يمكن قياسها على أي من الثورات التي سبقتها في مصر.