تجرى إنتخابات رئاسة الاتحاد الدولي لكرة القدم الأربعاء في زيوريخ خلال الجمعية العمومية لل"فيفا" وسط أجواء مشحونة وفضائح رشوة وإتهامات متبادلة قلما شهدتها أكبر مؤسسة كروية في العالم. وسبق للاتحاد الدولي أن شهد أزمات خصوصاً في الأعوام الأخيرة، لكنها تكاد تكون المرة الأولى في تاريخ هذه المؤسسة التي أبصرت النور في أيار (مايو) عام 1904 التي ينشر فيها الغسيل في شكل فاضح بين أصدقاء الأمس الذين تحولوا إلى أعداء اليوم خصوصاً أنها طاولت 10 من أعضاء اللجنة التنفيذية. وعشية الانتخابات طالب الاتحاد الإنكليزي بتأجيلها حتى "منح الوقت لمرشح آخر" لمواجهة الرئيس الحالي جوزيف بلاتر. وقال رئيس الاتحاد الانكليزي ديفيد برنشتين أن الأحداث التي شهدتها الأيام الأخيرة "عززت" القرار الذي كان اتخذه الاتحاد في 19 أيار بالإمتناع عن التوصيت وطالب الاتحادات الأخرى بأن تحذو حذوه. وناشد برنشتين الاتحادت الاخرى بالدفع "نحو تأجيل الانتخابات ومنح مصداقية أكبر للانتخابات الرئاسية، ما يمنح الفرصة لمرشح آخر كفي لمواجهة بلاتر على هذا المنصب". وقال: "انها أوقات ألحقت ضرراً بسمعة الاتحاد الدولي وبالتالي بكرة القدم عموماً". كما طالبت جمعية مكافحة الفساد "ترانسبارنسي انترناسيونال" بتأجيل الإنتخابات من أجل منح الوقت الكافي للتحقيق في إتهامات الفساد الموجهة إلى بعض أعضاء الاتحاد الدولي. وأوضحت الجمعية التي مقرها العاصمة الألمانية برلين في بيان لها "لا يمكن إجراء انتخابات حرة ونزيهة عندما يكون الناخبون تعرضوا لإغراءات"، مضيفة "مندوبو الفيفا يعلمون بأنه يتعين عليهم تطهير سمعة الاتحاد الدولي إذا أرادوا أن يكون التصويت شرعياً". وتابعت "أعمال لجنة الأخلاق التابعة للاتحاد الدولي تمت في سرية، والتحقيق يجب أن يجرى بقيادة هيئة خارجية لضمان الحياد". ولعل ترشح القطري محمد بن همام رئيس الاتحاد الآسيوي، لرئاسة الاتحاد الدولي في مواجهة الرئيس الحالي السويسري جوزيف بلاتر الذي أنتخب عام 1998 خلفاً للبرازيلي جواو هافيلانج، كانت الشرارة الأولى لما يشهده حالياً بيت ال"فيفا" المطوق بنيران الأزمة من كل حدب وصوب والتي تهدد بهدم هذا المنزل بمن فيه، خصوصاً أن المعركة بينه وبين بلاتر كانت متقاربة في الأيام الاخيرة بعد أن أدرك الأخير أن غالبية أصوات الكونكاكاف قد تذهب في إتجاه رئيس الاتحاد الآسيوي ما قد يرجح كفته. وشهدت الأيام الاخيرة مفاجآت وتقلبات كثيرة، إذ قررت لجنة الأخلاق التابعة لل"فيفا" فتح تحقيق ببن همام ووارنر رئيس اتحاد الكونكاكاف (أميركا الشمالية والوسطى والبحر الكاريبي) بتهمة رشوة بعض اتحادات الأخير في الاجتماع الذي عقد يومي 10 و11 أيار (مايو) في بورت أوف سباين. وتعود القضية إلى التصريحات التي أدلى بها الأميركي تشاك بلايزر عضو اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي والأمين العام للكونكاكاف، إلى الأمين العام للاتحاد الدولي جيروم فالكه في شأن "إحتمال خروقات" لقانون الأخلاق أرتكبت من قبل بعض مسؤولي الهيئة الكروية الدولية. وكان بلاتر ندد خصوصاً باجتماع للاتحاد الكاريبي الذي نظم بمشاركة وارنر وبن همام في 10 و11 أيار. هذا الاجتماع كان يتعلق بالإنتخابات الرئاسية المقبلة. وعلى إثر فتح لجنة الأخلاق تحقيق بحق بن همام سارع المرشح القطري إلى اصدار بيان يطالب به بفتح تحقيق أيضاً مع رئيس ال"فيفا" جوزيف بلاتر، وجاء فيه: "بما أن الإتهامات تضمنت إسم الرئيس الحالي جوزيف بلاتر، فان محمد بن همام يطالب أن تشمله التحقيقات". وأضاف "الإتهامات تتضمن أقوالاً بأن بلاتر كان على علم بعمليات الدفع المزعومة لمسؤولين في الاتحاد الكاريبي ولم يعارض هذا الأمر". وبالفعل استدعت لجنة الأخلاق بلاتر للمثول أمامها أيضاً برفقة بن همام ووارنر. وصبيحة الأحد الماضي، استيقظ الجميع على وقع مفاجأة إنسحاب بن همام من السباق الرئاسي في اليوم ذاته الذي كان يتعين عليه الخضوع للاستجواب أمام لجنة الأخلاق، التي حكمت بوقفه ووارنر شهراً بانتظار إستكمال التحقيق معهما، في حين برأت ساحة بلاتر الذي باتت الطريق معبدة أمامه للظفر بولاية رئاسية رابعة. ورفض بن همام الحكم الصادر وقرر استئنافه باعتبار "أن هناك أسئلة عدة أخرى يجب الإجابة عليها وإعتماد أكبر قدر من الشفافية: ما هي النقاشات التي تمت بين مختلف أعضاء لجنة الأخلاق وكيف توصلت هذه اللجنة إلى قراراتها؟". وأوضح: "الطريقة التي تمت فيها الإجراءات لا تمت بصلة إلى مبادىء العدالة. لقد تمت معاقبتي قبل أن توجه التهمة إلي. لدي شعور بأن نتائج التحقيق تم الاتفاق عليها قبل بداية جلسة الاستماع". وزاد: "هذا الأمر ليس مقبولاً على الاطلاق لأنه يفترض أن تكون لجنة الأخلاق هيئة مستقلة وبالتالي أتوقع أن تخضع التحقيقات المقبلة للتأثير والتلاعب". بدوره، شنّ وارنر الذي وعد ب"تسونامي" سيهز عرش ال"فيفا"، هجوماً مضاداً على بلاتر عندما اتهمه بدفع مليون دولار هبة لاتحادات الكونكاكاف في المؤتمر الذي عقده الأخير في ميامي في 3 أيار. وأوضح "أثارت هذه الخطوة اعتراض ميشال بلاتيني رئيس الاتحاد الأوروبي الذي كان موجوداً في ميامي وإنتقد هذه الخطوة وتطرق إلى الموضوع مع فالكه مؤكداً له أن بلاتر لا يحق له التصرف بهذا الأمر من دون العودة إلى اللجنة المالية، لكن الاخير قال لبلاتيني سنؤمن المبلغ لبلاتر". ولم يسلم الأمين العام لل"فيفا" جيروم فالكه من هجوم وارنر الذي كشف رسالة الكترونية يتهم فيها الأول دولة قطر بشراء كأس العالم 2022، وجاء في مضمون الرسالة "بالنسبة إلى محمد بن همام، لا أدري لماذا ترشّح لخوض الانتخابات. هل فعلاً يدرك أن لديه الحظوظ أو أنها طريقة لأنه لم يعد يرغب ببقاء جوزيف بلاتر. أم أنه يعتقد بأنه يستطيع شراء الفيفا كما اشتروا (القطريون) كأس العالم". وإضطر فالكه، الذي يتردد أن مصيره بات على كف عفريت، إلى اصدار بيان نفى فيه أن يكون إتهم قطر بشراء مونديال 2022، وإعترف بما نسب اليه من كلام مختبئاً خلف "لهجة أقل حدة" استخدمت في مراسلة كانت وراء الجدل القائم في هذا الشأن. ودافع عن نفسه قائلاً: "نشر السيد وارنر مراسلة بعثت بها اليه. قد أكون استخدمت فيها لهجة أقل حدة وغير صريحة. كنت أريد الحديث عن القدرة المالية لقطر، ولم أكن في حال من الأحوال ألمّح إلى شراء أصوات". وختم: "أكرر الآن أن لجنة الأخلاق التابعة لل"فيفا" لم تفتح أي تحقيق في خصوص اسناد مونديال 2022" إلى قطر. إلى ذلك، أكد مسؤول كبير في الاتحاد الآسيوي، رفض الكشف عن إسمه، أن ممثلين لاتحادات وطنية في القارة رفضوا المشاركة في الجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب غضبهم من ايقاف بن همام. وكشف أن مسؤولين في 10 اتحادات من أصل 46 تضمها القارة عادوا إلى بلدانهم بعد وصولهم إلى زيوريخ الأحد الماضي. وأضاف "هناك شعور بغضب شديد لدى المسؤولين في الاتحادات التي تحدثت اليهم جراء القرارات التي اتخذتها لجنة الاخلاق". ورفض المسؤول التأكيد عما إذا كان المسؤولون في الاتحادات الآسيوية ينوون القيام باحتجاج على غرار ما فعلوه في مؤتمر ال"فيفا" في لوس أنجليس عام 1999 عندما خرجوا من القاعة على خلفية خلاف على مقاعد في نهائيات كأس العالم. وقال: "لا شعور لدي عن إمكان القيام في ذلك، لا نريد تسييس ال"فيفا" لأنها عانت كثيراً، لكن لا شك أن الانتخابات الرئاسية تلطّخت". في المقابل، اعتبر نائب رئيس الاتحاد الآسيوي غانيش تابا أن بن همام أُبعد "لأسباب سياسية". وقال: "شعوري الشخضي بأن كان يشكل قلقاً لهم وبالتالي تخلصوا منه، إنها السياسية". وفضّل تابا عدم التطرق إلى امكان إحتجاج الاتحادات الآسيوية، "لكننا ننوي إسماع صوتنا، لان محمد بن همام هو زعيم كبير في آسيا، وما حصل لا يمت بصلة إلى اللعب النظيف".