بعيداً عن تشكيك خصوم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بنتائج الانتخابات، والتجاوزات التي شابت العملية الانتخابية، ونقص استمارات التصويت، وحرمان الملايين من حق المشاركة في التصويت، فإن فوز الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد بولاية ثانية له ما يبرره. وهو ذكرنا بفوز الرئيس جورج بوش بولاية ثانية. في الحالة الاميركية تحكمت المخاوف بتوجهات الناخب الاميركي، فاستطاع الجمهوريون استثمار حربهم على الارهاب في كسب المعركة الانتخابية، والناخب الاميركي لم يكن في وارد مناقشة القضية. الأمر ذاته تكرر اول من امس في ايران، اذ ساهمت العلاقة المتوترة بين طهرانوواشنطن، والموقف الدولي الرافض لطموحات ايران النووية، الى حد بعيد بهذا النصر الكاسح لنجاد بولاية ثانية. الانتخابات الايرانية الأخيرة حظيت باهتمام اقليمي ودولي، وحاولت وسائل الاعلام خلال الأسابيع الماضية إشاعة حال من الشك في فوز احمدي نجاد. لكن اتضح ان هذا كان تفكيراً بالتمني، ناهيك عن ان توقعات وسائل الاعلام الاجنبية كشفت ان هناك آراء غير دقيقة لتوجهات الشارع الإيراني، وموقف الايرانيين من القضايا السياسية. فثمة خلط يمارسه الاعلام الغربي، والاقليمي، وربما عدم فهم لطبيعة تعامل الايرانيين، على اختلاف مستوياتهم ومشاربهم، مع القضايا السياسية والاجتماعية. فنتائج الانتخابات اشارت الى ان اختلاف الايرانيين حول بعض القوانين والقضايا الاجتماعية، او تلك المتعلقة بنمط الحياة الاجتماعية، لا ينسحب على اتفاقهم، وربما تحالفهم، حول الموضوعات المتصلة بالأمن القومي مثل المشروع النووي والموقف من العراق، وعلاقات بلادهم بجيرانها والمنطقة. لكن الآمال التي لاحت خلال الأسابيع الماضية بإمكان حدوث تغيير، في السياسات الخارجية والداخلية الايرانية لم تتلاش تماماً بفوز احمدي نجاد بولاية ثانية. فثمة أمل بهذا التغيير، إذ تبدأ الولاية الجديدة في ظروف مختلفة عن ظروف الولاية الأولى. فهناك مشروع حوار مع الولاياتالمتحدة، وتغيرات اقليمية مهمة في لبنان وسورية، فضلاً عن ان رئيس الجمهورية في النظام الايراني ليس له الدور الاول في تحديد السياسة. فالقرار السياسي يمر عبر قنوات شديدة التعقيد، والمتابع لموقف القوى الدينية والسياسية في ايران سيجد انها باتت متفقة على قبول الحوار مع واشنطن، وان اختلفت مطالبها من هذا الحوار. وهي على استعداد لتغيير صورة ايران الجانحة نحو المواجهة.