القيادة تهنئ السيد ياماندو أورسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في الأوروغواي    تكريم الفائزين بأميز 2024    الرياض تستضيف مديري إدارات التدريب التقني‬⁩    نائب أمير مكة المكرمة يشهد انطلاق مؤتمر الابتكار في استدامة المياه بجدة    النعمي يفتتح المخيم الصحي الشتوي التوعوي    5 مواد تختبر موهبة طلاب جازان    ايفان توني نجم الثنائيات في الأهلي    7 أجانب ضمن قائمة الهلال لمواجهة السد    الرخصة المهنية ومعلم خمسيني بين الاجلال والإقلال    مُحافظ الطائف يطَّلع على مشروع التحول في حوكمة إدارة مكاتب التعليم    الوداد لرعاية الأيتام توقع مذكرة تعاون مع الهيئة العامة للإحصاء    تحقيق العدالة أو السير خلف جثمان القانون الدولي    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا    المكتبة المتنقلة تطلق جولتها القرائية في المنطقة الشرقية    بنان يوسع مشاركات الحرفيين المحليين والدوليين    "جائزة القلم الذهبي" تحقق رقمًا قياسيًا بمشاركات من 49 دولة    ضيوف خادم الحرمين الشريفين للعمرة والزيارة يعبرون عن امتنانهم لمملكة.    ملتقى الأوقاف يؤكد أهمية الميثاق العائلي لنجاح الأوقاف العائلية    الحُب المُعلن والتباهي على مواقع التواصل    أمير الرياض ونائبه يؤديان صلاة الميت على الأمير ناصر بن سعود بن ناصر وسارة آل الشيخ    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للطفل تحت شعار "مستقبل تعليمي أفضل لكل طفل"    الباحة تسجّل أعلى كمية أمطار ب 82.2 ملم    بعد تصريحاته المثيرة للجدل.. هل يغازل محمد صلاح الدوري السعودي؟    أمير تبوك يستقبل وزير النقل والخدمات اللوجيستية    توصية بعقد مؤتمر التوائم الملتصقة سنويًا بمبادرة سعودية    قطاع ومستشفى بلّحمر يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    «حساب المواطن»: بدء تطبيق معايير القدرة المالية على المتقدمين والمؤهلين وتفعيل الزيارات الميدانية للأفراد المستقلين    أمير حائل يستقبل سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى المملكة    (كايسيد) وتحالف الحضارات للأمم المتحدة يُمددان مذكرة التفاهم لأربعة أعوام    وكيل إمارة المنطقة الشرقية يستقبل القنصل العام المصري    السند يكرِّم المشاركين في مشروع التحول إلى الاستحقاق المحاسبي    "نايف الراجحي الاستثمارية" تستحوذ على حصة استراتيجية في شركة "موضوع" وتعزز استثمارها في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي    حسين الصادق يستقبل من منصبه في المنتخب السعودي    السجن والغرامة ل 6 مواطنين ارتكبوا جريمة احتيالٍ مالي واستعمال أوراق نقدية مقلدة والترويج لها    وزير الاستثمار: 1,238 مستثمرًا دوليًا يحصلون على الإقامة المميزة في المملكة    الجامعة العربية بيت العرب ورمز وحدتهم وحريصون على التنسيق الدائم معها    تعطل حركة السفر في بريطانيا مع استمرار تداعيات العاصفة بيرت    NHC تطلق 10 مشاريع عمرانية في وجهة الفرسان شمال شرق الرياض    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    مشاكل اللاعب السعودي!!    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    الأهل والأقارب أولاً    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    «كل البيعة خربانة»    انطلق بلا قيود    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أغنية ناراياما» لسيتشيرو فوكازاوا ... فقراء جبال اليابان
نشر في الحياة يوم 31 - 05 - 2011

ينطلق الروائيّ اليابانيّ سيتشيرو فوكازاوا في روايته «أغنية ناراياما» (دار علاء الدين، دمشق، ترجمة شفيق السيّد صالح)، من أسطورة يابانيّة تتمثّل في عدد من الأغنيات تُعرَف باسم ناراياما، او جبل السنديان. يسعى فوكازاوا إلى تقديم الأسطورة في قالب حِكائيّ، بحيث ينحو بها منحًى جديداً، يزاوج بين الواقع والأسطورة، بين الراهن والماضي، بين عبق التاريخ ومآسي الحاضر، يقدّم عالَماً روائيّاً يمتاز بالتمرّد المُمَنهَج الذي يحرص على إظهاره بريئاً وعفويّاً.
يروي سيتشيرو فوكازاوا في روايته سيرة «أوران»، وهي امرأة عجوز تعيش في قرية يابانيّة نائية تكون معرّفةً، مقابل قرى أخرى تبقى غفلاً من الاسم، حيث تسمِّي كلُّ قرية القريةَ القريبة منها بالقرية المواجِهة، في عملية تهرُّب من التسميات. وأوران، التي كانت قد جاءت إلى القرية عروساً وتمكّنت من المحافظة على نفسها من القيل والقال بعد موت زوجها، أفلحت في تربية أولادها وأحفادها، وهي تؤمن إيماناً أعمى بالأعراف والتقاليد السائدة، وتنساق وراء تلك التقاليد من دون أن تجرؤ على التدقيق فيها أو مجابهتها بأيّ طريقة دفاعيّة ممكنة. تسلبها الأعراف راحتها وحياتها، تفرض عليها أن يأخذها ابنها إلى قمة جبل ناراياما، لتواجه هناك قدرها الأخير والموت. كأنّ مسيرة الحياة تتوقّف بها بعد أن تبلغ عمراً معيّناً، تغدو معه الكثير من الأمور السليمة مثالبَ يتوجّب التخلّص منها، كأن تسعى إلى تحطيم أسنانها السليمة كي تثبت أنّها عرضة لتبدّلات الزمن وغدر الأيّام كغيرها، وأنّها ليست متصابية، أو لامبالية إزاء عمرها. أثناء ذلك، تبحث العجوز لابنها المترمّل تابي عن زوجة تواسيه وتهوِّن عليه شقاء الأيّام الصعبة التي يضطرّ إلى تمضيتها وحيداً، تتعرّض أثناء بحثها المحموم لكثير من السخريات، وربّما كانت السخرية الأكثر إيلاماً هي التي صدرت عن حفيدها كيزا كيشي؛ الذي يرفض تزويج أبيه، بل يطالب بزوجة له، ويعِد أباه بأنّ زوجته ستقوم بواجباته على أكمل وجه.
تعجّ قرية «أوران» بالكثير من المفارقات والممارسات الاجتماعيّة البدائيّة، تُكسِب أناسها طباعاً قاسية، يشحّ فيها الطعام إلى حدّ الندرة، يتجاوز الفقر حدّ التحمّل، يصبح البقاء على قيد الحياة حتّى رؤية أولاد الأحفاد ضرباً من الجنون. قلّة من النسوة يحظين بهذه الفرصة النادرة التي قد تغدو مبعثاً للإشارة إليها بصفات نابية. تستسرع العجوز أوران الزمن كي تتمكّن من تأدية مناسك حجّها براحة بال وضمير، بحيث تكون قد أنجزت واجباتها تجاه ابنها وأحفادها، لتعبر إلى العالم الآخر، تستسلم لقدرها بسعادة، كونها وفت بوعودها، يتجمّع أهل القرية كي يقدّموا لها النصائح، على الرغم من معرفتها الكاملة بها وإلمامها الدقيق بما يقال، وتكون مضطرّة للإنصات وتمثيل الخشوع، تماشياً مع العرف السائد والتزاماً به، لكنّ الصراع الحقيقيّ يبدأ بين عقل الابن وقلبه، بين الحقّ والواجب، يفكّر بالتمرّد على الأعراف القاهرة القاتلة، كي ينقذ أمّه، يطرح عدداً من القضايا الوجوديّة، يضع الأسطورة على مِحكّ الواقع، محاولاً تأريضها ومحاورتها ومقاربتها من مختلف النواحي. بهذه الطريقة يمازج فوكازاوا بين الواقع الحقيقيّ المَعيش والواقع المنشود، يسعى إلى إحداث تغييرات في العالمين، عبر تقديمه مقترحات لعالم متمرّد رافض الانسياق وراء التقليد المحجّر، بحيث ينفرد الواقع الروائيّ بأفكار قد تبدو مثاليّة للوهلة الأولى، لكنّها تثير الكثير من الأسئلة حول مدى جدّيتها وقابليّتها للتطبيق والتحقيق.
تحضر في الرواية عدد من الشخصيّات منها «تابي»، «كيزا كيشي»، «ماتا يان»، «ماتسو يان»، «تيرو يان»...، تجتهد لتقدّم رؤاها عن العالم المحدود الذي تعيش في رحابه بمقابل الضيق الذي تعانيه في الحيّز المكانيّ، فإنّها تفرض بعضها على بعض تضييقاً من ناحية السلوكيّات، بحيث يتحوّل كلّ فعل إلى مصدر للإزعاج. كما تتخلّل المشاهد المتنوّعة مقاطع من الأغنيات، ونِتَفٌ شعريّة، ساخرة أو مقدّسة، تمهّد لما يليها، تختم ما يسبقها، تكسر إيقاع السرد، تنسلّ كأهازيج وطقاطيق خفيفة مداعبة.
ينتهي الكاتب إلى نتيجة مفادها أنّ الموت ليس حادثاً مأسويّاً، ليس بالأمر السيّئ ولا بالجيّد، إنّه واحد من القوانين الطبيعيّة التي لا يستقيم الكون من دونها. ذلك على الرغم من كونه يَظهر محابياً مسايراً النظرة المجتمعيّة في تغليب الجوانب الخيّرة، يتناصّ في ذلك مع المرويّات الشرقيّة من الأساطير التي تخلّد الخَيِّرِين وتلعن الأشرار، يتبدّى ذلك في مشهد هطول الثلج حين إقدام أوران على التضحية، في حين يسود الظلام العالَم مع آخرين، إذ تذهب أوران إلى قدرها بترحاب وبِشْر، فتكافئها السماء بثلج أبيض مثل أزهار اللوتس، في حين تلفّ الغربان الشخص الأنانيّ ماتا يان من كلّ جانب.
يحتلّ فوكازاوا حيّزاً في خريطة الرواية اليابانية التي أفرزت أسماء كبيرة كان لها تأثيرها الفعّال على كثير من الكتّاب... ذلك أنّ فوكازاوا يحلّق عالياً وهو يغرق في محليّته الغرائبية المُؤسْطَرة، وهو يفصّل في التفاصيل، بحيث يشعر معه القارئ أنّه على أعتاب الدخول إلى معبد بوذيّ كي يؤدّي معه شعيرة من شعائره، أو يستكشف معه منطقة يسوح بين جنباتها، مستمتعاً بتلالها، مكتئباً لأحوال سكّانها، متمعّناً في الجوع الذي ينخر أرواحهم وأجسادهم معاً.
«أغنية ناراياما»، أغنية مُلغِزة معمّقة بقدر تبسّطها الظاهر، يترنَّم بها المرء حين الإقدام على وضع نهاية للعمر الممتدّ إلى نقطة بعينها، تصير جبلاً منشوداً، مُنتحَرَاً مقدَّساً، كأنّما تكون المقاطع التي تترنّم بها الشخصيّات، أو تكرّرها بشيء من التلاعب والتغيير، تمهيداً للارتقاء إلى القمّة، التي تكون ملتقى الخواتيم، خاتمة الأغنيات وخاتمة الحياة. مع الكلمة الأخيرة من الأغنية، يبلغ المغنّي الذروة التي لا بدّ من السقوط بعدها. تكون ناراياما الأسطورة المتنقّلة الفاعلة التي تملي تعاليمها، وما على المريدين إلاّ الرضوخ والانقياد لها.
تحوّلت الرواية إلى فيلم سينمائيّ بالعنوان نفسه، من إخراج شوهي إيمامورا، الذي نال عن فيلمه جائزة السعفة الذهبيّة في مهرجان كان السينمائيّ قبل سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.