تحذّر المنظمات والمؤتمرات الدولية، المعنية بمكافحة الانتحار، من تنامي هذه الظاهرة عالمياً في أوساط المراهقين والشباب والمسنين. فهؤلاء يقحمون أنفسهم في لعبة الموت العبثي، ويُقدمون على إزهاق أرواحهم عن سابق تصور وتصميم، ويختارون المكان والزمان والأسلوب الأسهل والأسرع للانتقال إلى عالم قد يجدون فيه راحتهم الأبدية. في هذا السياق، أطلقت «المنظمة الكيبيكية للتدخّل ضد الانتحار» أسبوعاً وطنياً» تحت عنوان «التكلّم عن الانتحار ينقذ حياتك» (من 4 إلى 10 الجاري). ويتضمّن دعوة من المدير العام للمنظمة جيروم غودرو تتمحور حول «كسر الصمت» حيال هذه الظاهرة، التي «تفتك بناشئتنا وشبابنا ومسنينا»، مشدداً على كشف أية أفكار أو نقل أية معلومات تشجّع أو تروّج للانتحار في أوساط العائلات أو في المدارس أو في مواقع إلكترونية»، كاشفاً عن 1139 حالة انتحار وقعت في أوساط المراهقين خلال العام الفائت. كما يتخلّل المؤتمر ندوات ومحاضرات وأفلام فيديو وإرشادات، تحت إشراف متطوعين وأطباء نفسيين ومنظمات صحية كندية وعالمية. وأظهر تقرير لمنظمة الصحة العالمية صدر أخيراً أرقاماً مذهلة حيال تزايد معدلات الانتحار في العالم بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة، ووقوع أكثر من 5 ملايين حالة انتحار فاشلة سنوياً، وإقدام حوالى مليون شخص على الانتحار أي ما يعادل حالة كل 40 ثانية، أو ما يوازي 16 وفاة لكل 100 ألف شخص. أما البواعث الكامنة وراء الانتحار فيختصرها المعهد الوطني للصحة في كيبيك، بحالات الاكتئاب وانفصام الشخصية والضغوط النفسية والاضطرابات الذهنية الحادة والإدمان على تعاطي الكحول والمخدرات، والفشل في معالجة المشكلات الدراسية والمهنية والعاطفية والأمراض المزمنة. ويلفت المعهد إلى أن مقاطعة كيبيك تحتل المرتبة الثالثة في سلم الانتحار العالمي للذكور، والسادسة للإناث. وأن معدل الانتحار السنوي بين ألف مواطن يتزايد من 14.8 إلى 19.1 في المئة. كما تؤكّد إحصاءات أن ضحايا الانتحار العائدة لفئات الأعمار بين 15 و19 سنة تجاوز عددها ال1458 ضحية خلال الأعوام الثلاثة الماضية. وفي هذا السياق، يؤكّد جان كلود دواست، اختصاصي علم النفس في مؤسسة «التحرك ضد الانتحار»، أن المنتمين إلى المجموعات الثقافية المتعددة الإثنية، مثل الشباب العرب والمسلمين من الجنسين، هم خارج ثقافة الانتحار، ما خلا عدد ضئيل يكاد لا يذكر. ويعزو ذلك إلى أنهم «محصّنون بنظام مناعة عائلي مستقر، وبروادع دينية وأخلاقية واجتماعية تجعلهم في منأى عن أي تفكير بالانتحار». من جهة أخرى، جاء في دراسة لدورية «ميديكال أسوسييشن جورنال» الكندية أن وسائل الانتحار لدى المراهقين من الجنسين تتراوح بين الأسلحة النارية والسموم والشنق. ويُعد الانتحار ثاني سبب رئيس للوفاة بين الكنديين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و19 سنة، بعد الحوادث. ويرى روبن سكينر، كبير الباحثين في جامعة ماغيل، أن ظاهرة الانتحار «مأساة اجتماعية وإنسانية» تصيب الصغار والمسنين، وتختلف الدوافع بين فئة وأخرى. فالمراهقون يعانون من كثرة الخلافات العائلية كانفصال آبائهم عن أمهاتهم وإهمالهم أبناءهم وانشغالهم عن دراستهم ومطالبهم وحاجاتهم وأنشطتهم وتطلّعاتهم. أما حالات الانتحار لدى الشباب، فتقتصر وفق دواست على الفشل الدراسي، أو تدهور مفاجئ في العلاقات العاطفية أو فشل إدارة المدرسة في حلّ ما يتعرّض له التلامذة من السخرية أو الترهيب أو التخويف أو الترويع intimidation، على غرار مارجوري ريموند (17 سنة) التي قضت العام الفائت. فيما يرى أن أسباب الانتحار في أوساط المسنين، تعود غالباً إلى العزلة والوحدة والوحشة والتوتر والدخل المحدود والمرض العضال الذي لا شفاء منه. وتؤكّد «جمعية كيبيك للوقاية من الانتحار» أن أكثر من 140 مسناً (بين ال60 و70 سنة) ينهون حياتهم، مشيرة إلى أن الرجال الذين يبلغون 80 سنة وما فوق هم الشريحة المرشّحة للانتحار في أي وقت. والمشكلة وفق الجمعية أن «لا أحد يقوى على التدخّل لإيقاف المنتحر في الوقت المناسب». وتشتد الأفكار الانتحارية بعد سنوات التقاعد حيث تنعدم فرص العمل وتزداد الحاجة الى المال والترفيه عن النفس. والملاحظ أنه بمقدار ما تنخفض معدّلات الانتحار في صفوف المراهقين والشباب، تزداد لدى الأكبر سناً. وتشير الوكالة الدولية للمعلومات إلى أن أكثر من 30 موقعاً إلكترونياً عالمياً تشجع على الانتحار. وتقف وراءها جمعيات منظمة غالباً ما تعجز أجهزة الرقابة عن إيقافها أو الحدّ منها. وترسم للداخلين إلى تلك المواقع، وجلهم من المراهقين ذكوراً وإناثاً، ما يشبه خريطة طريق من عناوينها عبارات مثل: «نحن بانتظارك اِلحق بنا»، «الموت آتٍ لا محالة وخير لك أن تختار كيف تنهي حياتك». وتستخدم تلك المواقع أساليب مفخخة تستدرج المراهقين إلى حب الاستطلاع ومعرفة ما يدور فيها من أسرار.