قيل في السابق إن الدبلوماسية هي فن «السيطرة على القوة»، ونادراً أن تجد دبلوماسياً صاحب تاريخ سياسي وعسكري وأدبي ويعمل في كثير من الاتجاهات، يعطيك أكثر مما يأخذ، يعمل بأسلوب بسيط وبهدوء في وسط مطوق بألغام السياسة. ويبقى السفير السعودي محمد آل جابر أحد أولئك الدبلوماسيين الذين عملوا في أجواء «الحرب والسلم»، وظل رقماً صعباً بين نظرائه السفراء، الذين أداروا ملف «اليمن السعيد»، الذي أصبح يمناً مضطرباً بفعل تدخلات إيران ودعمها لميليشياتها. جاء تعيين السفير محمد بن سعيد آل جابر في 2014 سفيراً للرياض العاصمة صاحبة الثقل العربي والدولي، في صنعاء، التي كانت تحت حمّى الغليان ونار ما يسمى بالربيع العربي، الذي أطاح بحكم زعيم اليمن الراحل علي عبدالله صالح، ووصل آل جابر إلى صنعاء متسلحاً بخبرة بدأها منها، مروراً بجيبوتي عندما عمل ملحقاً عسكرياً فترتين، وجاء للعمل في اليمن في وقت سياسي صعب وقبل أيام، وربما ساعات، من انفجار الوضع واحتلال الحوثيين صنعاء، وهو ما لا يتمناه أي دبلوماسي؛ أن يُوضع في المكان والزمان الصعبين. والسفير آل جابر ابن منطقة عسير، التي نشأ فيها، وانتقل منها لدرس العلوم العسكرية، التي هي شغفه منذ الصغر، وتخرج من كلية الملك عبدالعزيز الحربية، حتى حصل على الماجستير في المجال العسكري، من كلية القيادة والأركان في القوات المسلحة بالرياض. ونجح في تمثيل بلاده في مشاورات السلام اليمنية في الكويت، وسبق له أن ترأس وفد وزارة الدفاع في المحادثات الرباعية في شأن أمن الحدود في الولاياتالمتحدة، كما كان رئيس أحد أهم الأقسام في وزارة الدفاع؛ وهو قسم التحليل الاستراتيجي وإدارة مركز التحليل والمعلومات. وعندما تفجر الوضع الأمني في عدن، بعد احتلال صنعاء وزحف الحوثيين إلى العاصمة الموقتة، استعاد آل جابر خبرته ومهارته العسكرية المسلحة عندما احتاج إليها، ففي لحظات التمرد الحوثي على عدن أشرف السفير السعودي على إجلاء أفراد بعثته وعدد من الدبلوماسيين العرب حتى أوصلهم إلى القوات السعودية، التي تمركزت في البحر، وأظهرت الصور كيف كان آل جابر مسلحاً وهو يهندس ويشرف على لحظات خروج من هم في عهدته، حتى وصلوا إلى المملكة. كثير من المراقبين يدركون أن السفير آل جابر أحد القلة الذين يلمون بكل تفاصيل اليمن، هذا البلد المتعب والمثقل بهموم السياسة والحرب، وآل جابر بات اليوم سفيراً ل«الحرب والسلم» ووظف خبرته ونتاج حياته في الدفع بملف اليمن لعودة الروح مجدداً وربما السعادة حتى يعود اليمن سعيداً كما قيل. ربما كان تعيينه سفيراً لبلاده في هذا البلد قبل فترة وجيزة من الانقلاب في صنعاء، قراءة حذرة للمشهد اليمني الملتهب وقتها، إذ سارع السفير آل جابر فور وصوله إلى لعب دور كبير في ترتيب الأوراق ودعم المتخاصمين اليمنيين، لتقديم التنازلات من أجل أن ينجح في لملمة الوضع اليمني، إلا أن خيار الحرب كان لا بد منه، وإن لم يطل التمرد. وقال آل جابر، خلال تسليمه أوراق اعتماده للرئيس هادي في صنعاء قبل أيام من الانقلاب، إنه يدرك أن الوضع في اليمن «حساس»، وأعرب عن اعتقاده بأن «الحكمة اليمنية ستأخذ بيد الجميع لما فيه مصلحة الشعب لتحقيق الأمن والاستقرار». ومع لحظة انطلاق «عاصفة الحزم» التي كان نجمها في الساحة اليمنية، قال: «لقد استجاب خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لطلب الرئيس اليمني المنتخب من الشعب اليمني، وقاد تحالفاً عربياً ونشاطاً سياسياً وإنسانياً واقتصادياً لإنقاذ اليمن وشعبه الشقيق، لاستعادة دولتهم وبناء مستقبل يستحقه اليمنيون وأجيالهم».