يمثل الاستجواب الذي قدمه 3 نواب في مجلس الأمة الكويتي (البرلمان) قبل أيام ضد رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد أول تحد من قبل المعارضة الكويتية للحكومة في ما يتصل بالسياسة الخارجية، إذ يفتح ملف العلاقات الكويتية الإيرانية على مصراعيه ويتناول تفصيلاته بلا تحفظ. ولا يكتفي النواب الثلاثة وليد الطبطبائي ومحمد هايف المطيري ومبارك الوعلان بنقد سياسة الشيخ ناصر بل يتهمونه صراحة ب «الإضرار بالأمن الوطني وبالعلاقات مع دول الخليج بسبب انحياز السياسة الخارجية للحكومة إلى النظام الإيراني»، وسيطرح هذا الاستجواب على جدول أعمال جلسة في 31 أيار (مايو) الجاري لكن من المرجح أن الحكومة ستحاول الاعتراض عليه لدى المحكمة الدستورية أو تأجيله فترة طويلة لحماية الرئيس من حساسية الموضوع. واعتبر النواب الثلاثة - وجميعهم إسلاميون سنة - زيارة وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي للكويت في الثامن عشر من الشهر الجاري دليلاً على «استمرار رئيس الوزراء في نمط مستديم ونهج مستمر (في مجاملة إيران) بدأ مع توليه موقع رئاسة السلطة التنفيذية الكويتية في شباط (فبراير) من عام 2006»، وقالوا في نص الاستجواب إن حكومة الشيخ ناصر «رتبت تلك الزيارة من دون إعطاء أي اعتبار للظروف الاستثنائية والسيئة التي تمر بها علاقات طهران بمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي ومنها دولة الكويت، وذلك بعد المواقف والتصرفات والتصريحات الاستفزازية من قبل ذلك النظام ضد أمن وسيادة دول الخليج، وفي ظل استمرار العدوانية الشديدة التي تبديها وسائل إعلام النظام الإيراني والجهات التابعة له». ولم يصدر عن الحكومة تعليق على رغم حساسية موضوعه وقسوة عباراته، وما ورد فيه من اتهامات يراها البعض «تقترب من الاتهام بالخيانة»، لكن النواب المحسوبين على الحكومة - خصوصا الشيعة المتعاطفين تقليدياً مع إيران - هاجموا الاستجواب واعتبر بعضهم أن مسألة العلاقة مع إيران «ضمن السياسات العليا للدولة التي لا يجوز للنواب العبث بها»، وكان النائبان الليبراليان احمد السعدون وعبدالرحمن العنجري قدما استجواباً ضد الشيخ ناصر على خلفية مسائل مالية وإدارية، ونجحت الحكومة مستعينة بفريقها من النواب بتأجيل مناقشة الاستجواب لسنة أو حتى صدور حكم المحكمة الدستورية في شأنه. ومعلوم أن الشيخ ناصر المحمد - وهو اول رئيس وزراء كويتي لا يجمع بين هذا المنصب وبين ولاية العهد - تعرض ل «جرعات» عالية جداً من النقد منذ توليه رئاسة الحكومة قبل خمس سنوات، وقيل إن هذا المستوى من النقد دفعه للبحث عن حلفاء بين نواب مجلس الأمة وإن النواب الشيعة كانوا اميل إلى الاقتراب منه من غيرهم، خصوصاً بعد أن ارتفع عدد مقاعدهم إلى 9 (من اصل 50) في انتخابات 2009، يضاف إلى ذلك أن الشيخ ناصر الذي خدم سفيراً للكويت في طهران بين 1968 و 1979 له ميل الى الثقافة الإيرانية ويتكلم الفارسية. ويلاحظ منتقدو الشيخ ناصر انه قرب إليه بعض الرموز الاجتماعية والاقتصادية الشيعية وصار اكثر استجابة لهم وإلى بعض المطالب والمواقف ذات الطابع المذهبي أكثر مما كان يفعل رؤساء الحكومة السابقين، ويشير كويتيون بشكل خاص إلى النفوذ المتنامي لتاجر إيراني الأصل حصل على الجنسية الكويتية في السبعينات تحول فجأة وخلال السنوات العشر الأخيرة إلى ملياردير يشتري مؤسسات وشركات ومرافق بمئات الملايين مما أثار شكوكاً حول مصدر هذه الأموال خصوصاً بعد أن كشفت البحرين العام الماضي حالات من غسيل الأموال للحرس الثوري الإيراني. وقام هذا التاجر خلال 3 سنوات فقط بإنشاء وشراء صحف ومحطات تلفزيونية وخدمات اخبارية استخدمها بشكل حاد في مهاجمة منتقدي الشيخ ناصر وفي الدخول في مساجلات ذات طابع طائفي لم تعرفها الكويت من قبل وفاجأت اكثر الكويتيين اعتدالاً. هذا الجو المحلي رافقه ميل لدى حكومات الشيخ ناصر (شكل سبعاً منها خلال خمس سنوات) نحو التقارب الكبير مع إيران توج ذلك بالموقف الذي اتخذته الكويت تجاه أحداث البحرين الأخيرة والذي اعتبره مقدمو استجواب الشيخ ناصر «خذلاناً للأشقاء» إذ امتنع عن إرسال قوات برية إلى البحرين ووافق بعد ضغوط على إرسال وحدات بحرية. ويشرح الاستجواب هذه العلاقة التي يراها متناقضة مع تطورات العلاقات الخليجية الإيرانية في الأسابيع الماضية، ويقدم شواهد عدة على «العدائية الإيرانية» مثل أحداث «الفتنة» في البحرين وتهديدات رئيس الأركان الإيراني فيروزآبادي الذي اعتبر الخليج كله ملكاً لإيران، كذلك تطرق الاستجواب لموضوع شبكة التجسس الإيرانية التي اكتشفت في الكويت قبل شهور وصدرت بحق المتورطين فيها أحكام بالإعدام وبالسجن، وهي الأحكام التي صدرت بعدها تهديدات من صحيفة «جمهورية إيران» شبه الرسمية بأن الكويت «ستذوق طعم الصواريخ الإيرانية مجدداً». وينتقد نص الاستجواب اتفاق الحكومة الكويتية مع طهران بعد زيارة صالحي الأخيرة على تطبيع العلاقات وإعادة تبادل السفراء. وكانت الكويت استدعت سفيرها وطردت ديبلوماسيين إيرانيين بعد ثبوت تورطهم في أعمال تجسس والتخطيط لأعمال تخريبية، ويلاحظ المستجوبون أن صالحي «هو من تولى الإعلان عن عودة السفيرين إلى عمليهما وأنه طعن - وهو في ضيافة الحكومة الكويتية - في أحكام القضاء الكويتي وردد تصريحات ماسة بسيادة البحرين وحقها في الاستعانة بقوات درع الجزيرة» . ويرى المستجوبون أن سياسة التقارب مع إيران تتم على أساس «اعتبارات سياسية خاصة بشخص رئيس الوزراء ومصالحه السياسية وقراءته لمستقبله القيادي على (حساب) مبدأ التضامن الكامل مع الشقيقات الخليجيات» وأن الشيخ ناصر المحمد رئيس مجلس الوزراء» من خلال تغليبه قراءته السياسية الشخصية الخاصة على المصالح الوطنية الكويتية والمصالح الإقليمية الخليجية، قد عرض أمننا الكويتي والخليجي لأضرار كبيرة» . وتابعوا «إن سياسات الشيخ ناصر كرئيس للحكومة الكويتية مالت نحو المجاملة الكبيرة للنظام الإيراني والجهات التابعة له، وتضمنت القبول بدور للنفوذ الإيراني في الساحة السياسية المحلية بل ودخولها طرفاً في المعادلة السياسية المحلية، أملاً بالاستقواء بها دعماً لطموحات الشيخ ناصر السياسية وتعزيز موقعه على رأس السلطة التنفيذية في الكويت وفي مواجهة صور الرقابة الشعبية ولاسيما مجلس الأمة» . وعددوا مجموعة ما قالوا انه من الأدلة والشواهد والأمثلة على «مجاملة الشيخ ناصر للجانب الإيراني وعدم جديته في مواجهة صور التغلغل الإيراني» مركزين بشكل خاص على «تراخي الحكومة في إرسال قوات برية من الكويت إلى أراضي مملكة البحرين أسوة بما فعلت الدول الخليجية الأخرى استجابة لنداءات الأشقاء في البحرين وإعلان أكثر من مسؤول فيها أنها تتعرض لتدخلات من قبل إيران وعملائها، مما يعد إخلالاً بالمادتين الثانية والثالثة من اتفاق التعاون الدفاعي الخليجي»، وإن هذا التراخي كان «استجابة من رئيس الوزراء لضغوط البعض من نواب وسياسيين وبعض الصحف والقنوات المحسوبة على فكر النظام الإيراني على الرئيس بعدم إرسال قوات للبحرين»، في إشارة إلى جهات شيعية في الكويت . كما قالوا إن رئيس الوزراء الكويتي «أظهر اختلالاً كبيراً في التوازن في علاقته بدول مجلس التعاون الخليجي وبين إيران، فلقد مال وبشدة إلى تعزيز وتكثيف التواصل مع إيران وتبادل الزيارات معها على مستويات عدة ومنها زيارات للرئيس نفسه إلى إيران وإطلاق تصريحات من هناك بأن إيران هي الصديق والشقيق، وأنه سيتم استقدام الخبراء والمختصين من إيران للكويت لأجل الاستفادة منهم !! وأيضاً استقبال مسؤولين إيرانيين في وقت يتزامن مع استفزازات إيرانية سواء للأمن الكويتي (الشبكة التجسسية) أو للأمن الخليجي (حرب الحوثيين) أو إرسال زوارق إيرانية للبحرين وغيرها»، ولاحظوا أن الشيخ ناصر « زار إيران ست مرات منذ 2006 ولم يقم بأي زيارات رسمية للمملكة العربية السعودية ما عدا زيارتين ذات طبيعة اجتماعية» . ودان المستجوبون «سكوت رئيس الوزراء عن الحملات المغرضة الموجهة للبحرين والمملكة العربية السعودية والتعدي السافر على رموزها السياسية من قبل بعض الأبواق المحلية المتعاونة مع إيران والتي تشن هجوماً على تلك الدول من الكويت ليل نهار، ولم يتخذ الرئيس سوى إجراءات محدودة ومتأخرة ضد بعض وسائل الإعلام هذه وفي ظل الضغوط البرلمانية والشعبية». حتى لو نجحت الحكومة في تفادي التعامل مع هذا الاستجواب فإن ملف العلاقة مع إيران - و تبعاً له التعامل مع النخبة السياسية الشيعية في الكويت - سيكون مسألة مطروحة على الطاولة سواء في ظل رئاسة الشيخ ناصر للحكومة وأي حكومة تأتي بعدها، خصوصاً مع اتجاه علاقات النظام الإيراني نحو المزيد والمزيد من التوتر مع الجوار العربي.