عادت فكرة قيادة المرأة السيارة إلى الواجهة الاجتماعية، وهي الفكرة التي تسبب صداعاً نصفياً وبعثرة في الأوراق لا تحدثها بزعمي فكرة أخرى، وما أنا مؤمن به أن الفكرة من الأساس لا تمس خط التحريم المباشر قدر ما تمس الشأن الاجتماعي البَحت، والعادات والتقاليد المتوارثة، ورفض اجتماعي صارم وقادم للفكرة بتحريم قاطع، ولمن أحضرها بعداء شديد. سأهرب من مناقشة الفكرة لا لغياب قناعة شخصية أو ازدواجية في الرأي، وسأناور عنها بالخوض حول مفردة المرأة تلك التي نتجادل معشر الرجال بالحديث عن حقوقها بالنيابة، ونطالع دوما بغضب وتشنج عندما تُحْضِرْ مطالبة بحق أو معترضة بوجهة نظر ونأخذها بنصف عين من الاحترام، وعيون كاملة من الملاحقة. تقول الأرقام أن الشقيقة «المرأة» حققت المرتبة السادسة عربياً في نسبة الانضمام لسوق العمل، وشكراً صريحاً ل«وزارة التربية ووزارة الصحة ووزارة/المنزل» وهي الثلاثي الذي ساهم في أن تكون المرأة مشاركة في سوق العمل، ولعل انضمامها للوزارة الأولى كان تحت الحاجة الماسة والخوف العظيم من الفتنة وإدراكنا أن المرأة لا بد أن تلتحق بالتعليم لتكتمل دورة الحياة الطبيعية، أما الوزارة الثانية فلا نزال ندور حول قناعتنا في المرأة المنتمية وظيفيا لها، أما عن الوزارة الأخيرة فهي السر الخفي الذي وضعنا في السطر السادس عربيا. يحق لنا أن نعرف أين موقف المجتمع من هذه المرتبة؟ هل يرفضها جملة وتفصيلاً ويحاربها ويود أن تعود للرقم الأخير في سلم الترتيب؟ هل استوعبها؟ أم يريد أن يعرف بالتفصيل وتحت أنظار كاميرات المراقبة أين هي مناشط العمل النسائية حتى يمررها على مسطرة التحليل والتحريم ومن باب طمأنينة القلوب؟ هل نقف مع عمل المرأة أو حقها الشخصي على خط متواز وعقلاني أم خط متقاطع ومتشنج جداً؟ هل نخاف عليها كثيرا ونخشى عليها من الفتنة والفساد؟ أم أنها لغة تغليب الفزع والجزع من هذه المخيفة «أنثى»؟ أعتقد بل أجزم أن أي قضية تتعلق بالمرأة، تقابل بالمحاربة من دون حتى أن نناقش ولو نصف سطر من الفكرة المطروحة، لغرض إقناع الطرف المضاد والمناهض والمجاهد من أجل الفكرة ولا غير. نحن وللأسف لا نحاور ولا نناقش ولا نُقنِع، ونُكثِر المراوغة والالتفاف والاتكاء على ما لم ولن يدخل الدماغ بسهولة وسط جيل بات يقرأ ويستوعب ويتفهم ويفهم متطلبات الزمن الجديد، وتحديات الواقع المعاصر، نقف في مواقعنا الثابتة منذ زمن من دون أي حركة احتواء منتظرة لتهدئة اندفاع ورغبات طرف يرى أن له حقاً مسلوباً من دون مبرر، قد لا نصل معه إلى حل نهائي لكنه يريد منطقة هادئة بعيدة عن النزاع والصدام والجدل المستمر وتقبل الأطروحات المستجدة بمنابر حديث هجومية عنيفة متحدية لا منابر دفاع متزنة ومقبولة. وعودة على أسطر البداية هل يمكن أن نقنع المرأة حين تطالب بحق من حقوقها بحملة تستدعي أن يكون العلاج هو «العقال»؟ خذوا أي حكم عَدل وليحدد أين يمكن الخلل والتخلف بالضبط! أي جسد يرى إنهاء الحقوق وحل حوادث الطوارئ أو رغبات المجتمع بالعقال فلا عيب أن ننفض أيدينا منه ومن الذين هم على شاكلته، لأن من يرى الضرب هو المنقذ الوحيد، لا بد أنه يحتاج للضرب حتى يرتفع مستوى تعاطيه مع جل ما يحيط به! [email protected]