أصدرت الباحثة النفسية باربرا برغر كتابها ال15 الذي ترجم إلى30 لغة عالمية، وهو بعنوان: هل أنت سعيد الآن؟ باربرا عاشت وترعرعت في الولاياتالمتحدة الأميركية، لكنها تركت الكلية وأميركا وهاجرت إلى أوروبا، احتجاجاً على الحرب الفيتنامية، وتزوجت هناك رجلاً سويدياً، وعاشت معه سنتين، ثم انفصلا. ثم انتقلت إلى كوبنهاغن في الدنمارك، وتزوجت مرة أخرى وأنجبت ثلاثة أبناء، وانفصلت أيضاً، فعانت كثيراً من جراء الاغتراب، والاهتمام بثلاثة أبناء صغار، وأعمال غير مستقرة. أخذت باربرا تبحث عن السعادة وكيفية الحصول عليها، فتابعت بحثها إلى أن صادفت في تلك الفترة أن هنالك أقاويل تفيد بأن النظام الغذائي السليم هو ما يجلب السعادة للإنسان، اقتنعت، لكنها لم تسعد! ثم استمرت في البحث في مسار آخر، حتى توصلت إلى أن علم العقل هو الأساس، وأن الأفكار هي ما يجعل الإنسان سعيداً أو تعيساً، فلاحظت أنك مهما كانت الأحداث من حولك، سواء أكانت إيجابية أم سلبية، فإن أفكارك تجاه الحدث هي ما يجعلك سعيداً أو تعيساً، فعملت على أن تكون كل أفكارها إيجابية مهما كلف الأمر، في النهاية حصلت على نجاح باهر جداً في هذا الاتجاه، فقررت عندئذ التعمق وتأليف الكتب وعمل المحاضرات وورش العمل وتقديم الجلسات الخاصة في هذا المضمار. تطرح باربرا برغر في هذا الكتاب عشر طرق لكي نحيا حياة سعيدة، بعض الطرق ليست جديدة على القراء، لكن سنتطرق باختصار إلى الطرق العشر، علماً بأن كل طريقة ربما تحتاج إلى عشرات الصفحات، لكن ميزة هذا الكتاب أيضاً أنه مباشر، وبالإمكان التقاط الأفكار سريعاً، إذ إنه متوافق مع روح العصر. الطريقة الأولى التي ذكرتها باربرا في كتابها تقول: تقبل الواقع؛ لأنك إن لم تتقبل واقعك فستتسبب في التعاسة والمعاناة لنفسك، إذ سترغب في أن تصبح حياتك شيئاً مختلفاً عما هي عليه الآن، بمعنى إذا أردت تغيير واقعك فأبشر بالتعاسة والمعاناة، لأننا في الحقيقة نزيد الأمور تعقيداً عندما نقاوم واقعنا، نقاوم الذي يحدث ونريد شيئاً آخر مختلفاً عن الواقع، وتقول: إن لم تكن مع التيار إن كان إيجابياً فيفضل أن تتنحى جانباً، وهذا أسلم لك، حتى المرض لا تقاومه، قل في نفسك؛ نعم أنا أشعر بأنفلونزا، لكن لن أقاومها، ولن أقاوم الشعور بعدم الراحة. وتزعم باربرا أنك إذا واجهت حدثاً ما غير مُرضٍ فجرب بأن تشعر بالقبول مدة؛ من دقيقتين إلى عشر دقائق، وخلال هذه المدة القصيرة ستشعر بارتياح كبير مهما كان شعورك وكانت حالك مزرية. الطريقة الثانية: ارغب في ما تملك: لتكن قنوعاً غني النفس، فالقناعة كنز لا يفنى. معظم الناس الذين يعانون كثيراً مرجع معاناتهم إلى أنهم يرغبون في أشياء فوق طاقتهم، فيجلبون لأنفسهم التعاسة والمعاناة، يريدون - على سبيل المثال - جهاز جوال أغلى، ملابس ذات ماركة، أثاثاً أرقى، سيارة أفخم مما لديهم، وهذا مقبول، لكنك بحسب مقدرتك ودخلك تصرف، ولا ترغب في ما هو فوق مقدرتك. فإذا استمررت على هذا الطبع فلن تتوقف عن المعاناة مهما بلغت من مجد. وفي هذا الجانب أذكر أنه ذهبت امرأة رجل ثري إلى مستشار نفسي وأسري وطلبت منه استشارة لها ولزوجها المليونير، تقول؛ إن زوجي على رغم الملايين التي يملكها فإنه بخيل، وبعد درس الحالة، تبين أنه لم يرغب في ما يملك، ثم وضع نفسه في مقارنة مع أقاربه الذين يملكون مئات الملايين في حين لا يملك هو إلا مئة مليون فقط، فعاش الرجل وجعل حياة أسرته في جحيم؛ لأنه وضع هذه المقارنة وصار يمسك النقود، وحرم نفسه وحرم عائلته من الاستمتاع بهذه الثروة. الطريقة الثالثة: كن صادقاً مع نفسك: بسبب عدم التواصل بصدق مع نفسك ستكون في معاناة، إذ لن تعرف ماذا تريد، وما الذي لا تريده. فمعظم الناس يعيشون لغيرهم لا لأنفسهم، وبدلاً من اعتناء المرء بنفسه يتوقع من الآخرين أن يعتنوا به، فإذا عرفت من تكون فعلاً فيمكن أن تعتني بنفسك. الطريقة الرابعة: تحقق من قصصك: بمعنى لا تتوهم! من أسباب التعاسة والمعاناة أن هناك من يؤلف قصصاً مرعبة وغير واقعية، والطامة أنه يصدق هذه القصص والأوهام. مثل ما يتعلق بالمستقبل، أي الخوف من أن يفصل من عمله، أو أن يعتقد أنه سيصاب بمرض خطر، فيعيش في أوهام لا تمت إلى الواقع بأية صلة، فيكون مع الوقت هذا واقعه الفعلي. فأفضل طريقة للتخلص من هذه الأمور هي من خلال تسليط الضوء على الأشياء التي تقلقك، بحيث تتفحصها، ثم رويداً رويداً ستنتهي. الطريقة الخامسة: اهتم بشؤونك الخاصة: أكثر من يعاني في هذه المسألة هم الوالدان، فيتسببون لأنفسهم في الأمراض والضغط والسكر، لأنهم مشغولون بشؤون أبناءهم، بطريقة مبالغ فيها، وخائفون جداً، فيصبحون في تعاسة ومعاناة دائمتين، يتحملون أشياء ليس لها علاقة بالواقع. تقول باربرا: «ما عليهم إلا التربية الصالحة، والنتائج ستكون لمصلحتهم». كما نلاحظ على متن الطائرة، عندما يشرح المضيفون للأمهات عند الطوارئ بأن تضع كمامة الأوكسجين لها أولاً ثم لطفلها ثانياً، بمعنى إذا اهتممت بنفسك تستطيع أن تهتم بالآخرين في ما بعد. اتبع شغفك وتقبل العواقب الطريقة السادسة: اتبع شغفك وتقبل العواقب: نحن لا نفعل ما نريد، لأننا نعتقد أن ما سنفعله لن يعجب الناس، فنتردد ثم نتراجع! تقول باربرا: اتبع قلبك، اتبع حدسك. إذا كنت تعلم ما يريده قلبك ولا تتبعه ربما تندم وتعاني، لأنك تملك الخيار فعلاً، لكن التردد هو الذي يجعلك لا تتقدم. الطريقة السابعة: أقدم على فعل الصواب وتقبل العواقب: مع العمل الصحيح تصبح أمورك صحيحة، ومن أسباب أننا لا نعمل الشيء الصحيح أننا نخاف من العواقب، وخصوصاً الأطفال والشباب عندما يزرع فيهم، بطريقة غير مباشرة، أن العقاب هو مصيرهم عند الاعتراف بالحقيقة، فيضطرون إلى الكذب، وتصبح حياتهم معقدة. قال عليه الصلاة والسلام: «قل الحق ولو كان مراً». فمهما فعلت لكي تحيد عن الصواب فلن يرتاح ضميرك إلى غير الصواب. الطريقة الثامنة: تعامل مع ما هو أمامك وانس البقية: من أسباب المعاناة التي تذكرها باربرا برغر، هو الانشغال بالأوهام بدلاً من معايشة الواقع الذي أمامك، وهذا مهم، عليك أن تعيش اللحظة، وتتعامل مع الحقيقة التي أمامك مباشرة، عندئذ تسير أمورك في شكل صحيح. الطريقة التاسعة: أدرك ماهية الحياة: إذا تفهمت الحياة في شكل جيد، وتعرفت أن الإنسان أحياناً يواجه ظروفاً صعبة، واستوعبت أن الحصول على النتائج مئة في المئة يأخذ وقتاً، ستكون راضياً بهذه الحياة، واترك العجلة جانباً. الطريقة الأخيرة: تعلم أن ترى ما وراء الأمور الزائلة: تقصد بهذه الطريقة ألّا تخاف من المجهول، تعامل مع الحاضر في شكل صحيح ولا تخف من المجهول، الناس يعتقدون أنهم سيدخلون النار، لذلك يخافون من الموت، كما يخافون من كل شيء مجهول، فيعيشون حاضرهم بوجل. تقول باربرا: «علينا أن نعمل ما بوسعنا من الخير، لأنه ليس هناك أي دليل على أن الموت خطر، فإذا كنت تفعل الصواب فلا تخف من المجهول». إن الطرق العشر التي ذكرتها باربرا برغر في كتابها «هل أنت سعيد الآن؟» تعتبر متناغمة مع الحياة الطبيعية للإنسان، وهي ليست أسراراً، كما أنها لا تحتاج إلى جهد كبير للتحلي بما جاء فيها، وبهذا تزعم - بربارا - أننا عند تطبيقها سننتقل - كما انتقلت - من حياة التعاسة إلى حياة السعادة.