العلاقة بين الصحافة المكتوبة والصحافة المرئية وطيدة وقوية وتبادلية. كلاهما يرتبط بالآخر، ويستمد جانباً من قوته وصدقيته منه. صحيح أن الصحافة المرئية سحبت جزءاً من بساط الشهرة من تحت أقدام الصحف، إلا أن الأصل في المهنة يظل في عرين الصحافة المكتوبة. نظرة سريعة على باقة برامج ال «توك شو» التي أوجدت لنفسها دوراً مركزياً في حياة المشاهدين خلال سنوات قليلة تؤكد أن الصحافة المكتوبة، تقاسمت هذا الدور، وإن في شكل غير مباشر. فمع بزوغ عصر الفضائيات، شكك كثر في بقاء الصحافة المكتوبة على قيد الحياة. بعضهم قدر لها أن تموت بعد عقد أو عقدين، وربما ثلاثة! آخرون أكدوا أنها لن تكون إلى زوال، لكن من يود منها البقاء سيتوجب عليه تغيير المظهر والجوهر لمواكبة عصر الصورة المرئية. فريق ثالث قال إن الصحيفة باقية، فلا شيء يضاهي إحساس الورق بين الأصابع، وإن كانت صوراً حية وحقيقية! لكن يبدو أن الجميع جانبه الصواب، فمجريات الأمور، عربياً، تؤكد أن الصحافة الورقية لم تقل دوراً أو تخفت شعبية، بل ربما زادت! صحيح أن هذه الزيادة في الانتشار والأهمية لم تحدث بسبب زيادة مهولة في نسب التوزيع، لكن ما حدث أشبه بالعلاقة التكاملية بين المقروء والمرئي. فغالبية برامج الحوار يرأس تحريرها ويهيمن على إعداد فقراتها صحافيو الصحف اليومية، بل إن هيئات تحرير بعض تلك البرامج تعد استنساخاً مطابقاً لهيئات تحرير صحف بعينها. فرئيس القسم السياسي في الصحيفة هو مسؤول الملف السياسي، ورئيس قسم الاقتصاد هنا يحمل الملف نفسه هناك، وهكذا! بالتالي، نُقلت أقسام الصحيفة وأخبارها واتجاهاتها التحريرية نقلاً حرفياً إلى ال «توك شو». ليس هذا فقط، بل إن كبار الكتاب أو الأدباء أو المعارضين أو الموالين الذين تستكتبهم الصحيفة في صفحات الرأي باتوا الضيوف والخبراء الذين يطلون على المشاهدين يومياً عبر هذه البرامج. حتى الوزراء الذين تربطهم علاقات طيبة بالصحافيين تسمح لهم بالحصول على تصريحات يختصونهم بها، تجدهم ضيوفاً ثابتين على متن البرامج، ما يساهم في رفع أسهم هذا الوزير أكثر من غيره لدى الرأي العام مقارنة بغيره من الوزراء ممن لا تربطهم العلاقة ذاتها بالصحافيين. وهذا يعني أن الصحيفة التي كانت في ما مضى المنبر الوحيد للتواصل بين المواطن والحكومة، أو بين المواطن من جهة والتعرف إلى أبعاد مشكلاته وتحديد المسؤولين عنها، ما زالت كذلك. كما يعني أيضاً أن الصحيفة التي كانت قادرة على صناعة نجوم للرأي العام من خلال رسم صورة بطولية لهذا المسؤول أو ذاك، أو حتى تحويله إلى وحش كاسر لا تنقصه سوى الأنياب ما زالت أيضاً قادرة على ذلك! لكنها تقوم بأدوارها تلك بأسلوب غير مباشر. العلاقة بين الصحافتين إذاً تبادلية ومستمرة، وإن كانت كتبت للصحافة المقروءة الاستمرار، فقد كتبت للمرئية المهنية. ولكن يبقى عرض جانبي واحد، ألا وهو نقل الأجندات واستنساخ المصالح الشخصية للصحف والقائمين عليها من الصحيفة إلى الفضائية والعكس!