احتفل الفلسطينيون بانتصار فريقهم الكروي، الذي يطلقون عليه «الفدائي»، تماماً كما يحتفلون في الانتصارات السياسية، الصغيرة منها والكبيرة، والتي يسجلونها في صراعهم مع الاحتلال الإسرائيلي المتواصل منذ عقود طويلة، فما أن أُطلقت صافرة الحكم إيذاناً بانتهاء المباراة التي جمعت «الفدائي» مع الفريق الفيليبيني في جزر المالديف مساء أول من أمس، حتى امتلأ فضاء فلسطين وشوارعها وحواريها بمظاهر الفرح والبهجة. وكانت المباراة بُثت على شاشة تلفزيون «فلسطين»، كما أقامت شركة هاتف خليوي فلسطينية شاشات عرض كبيرة في مراكز المدن المختلفة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما أتاح لأعداد كبيرة من الفلسطينيين مشاهدة مباراة «كأس التحدي»، وهي الكأس التي تنافس عليها 40 فريقاً رياضياً من فرق الدول الفقيرة في قارة آسيا، وفاز فيها الفريق الفلسطيني، ليتأهل بذلك للمشاركة في بطولة كأس أمم آسيا إلى جانب أقوى 16 فريقاً في القارة الأكبر العام المقبل في أستراليا. أكبر التجمعات التي حضرت المباراة كان تجمعاً أقيم على شاطئ بحر غزة، وشارك فيه نحو 50 ألف شخص. وبخلاف الاحتفالات الوطنية التي غالباً ما تطغى عليها أعلام الفصائل، فإن علماً واحداً رفع في هذه التجمعات هو العلم الفلسطيني. وبعد انتهاء المباراة، انطلقت الأغاني وحلقات الرقص، وفاض الفلسطينيون إلى الشوارع وإلى مواقع التواصل الاجتماعي ليحتفلوا بهذا الفوز الذي وصفه المراقبون الرياضيون ب «التاريخي»، إذ إنها المرة الأولى التي تتأهل فيها فلسطين للمشاركة في بطولة كأس أمم آسيا. وأبرزت الصحف الفلسطينية خبر التأهل في عناوينها الرئيسة، وخصصت الإذاعات المحلية برامج للمناسبة تحت عنوان «فلسطين تكسب التحدي»، وانهالت برقيات التهنئة على الرئيس محمود عباس ورئيس اتحاد كرة القدم الفلسطيني جبريل الرجوب بعد الفوز، وأولها من رئيس جزر المالديف عبد الله يامين الذي استضافت بلاده المسابقة. وأعلن الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم أن المنتخب «الفدائي» سيحظى باستقبال رسمي من الرئيس عباس في مقره الرسمي. ووجه دعوة عامة لاستقبال بعثة المنتخب خلال عودتها من طريق الأردن اليوم. وكان الرئيس عباس هنأ اللاعبين بعد فوزهم باللقب، وأشاد ب «المستوى الرائع والمميز الذي ظهر به لاعبو منتخبنا الوطني وروح التحدي والتصميم لرفع اسم ومكانة فلسطين في سماء الكرة الآسيوية والجهود التي بذلها الطاقم التدريبي والإداري للمنتخب». وشهدت الرياضة الفلسطينية تطوراً في السنوات الأخيرة، لكن الاحتلال الإسرائيلي بقي عقبة أمام تحقيق المزيد منه عبر سلسلة طويلة من الإجراءات والقيود، مثل منع تنقل الفرق الرياضية بين الضفة وقطاع غزة، ومنع انتقال لاعبين بين الأندية في الضفة والقطاع، ومنع بعض اللاعبين من السفر إلى الخارج، واعتقال البعض، ومُنعت إقامة المنشآت الرياضية وغير الرياضية في 60 في المئة من الضفة الواقعة تحت الإدارة المدنية والأمنية الإسرائيلية، وتم احتجاز معدات رياضية قادمة من الخارج عبر الموانئ الإسرائيلية وغيرها. وقبل أسبوع، اعتقل الجيش الإسرائيلي لاعب الهجوم الأبرز في الفريق الفلسطيني سامح مراعبة، ما ترك أثراً على أداء الفريق. وكان رئيس الاتحاد العالمي لكرة القدم «الفيفا» جوزيف بلاتر، زار الأراضي الفلسطينية وإسرائيل الأسبوع الماضي للبحث في موضوع القيود الإسرائيلية قبيل انعقاد مؤتمر «الفيفا» في البرازيل في 15 الجاري. وقال بعد لقاء مع كل من عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، إنه طلب من نتانياهو رفع كل القيود المفروضة على حركة الرياضة الفلسطينية. ويبدي بلاتر تعاطفاً مع الرياضة الفلسطينية، وعمل في السنوات الأخيرة على إقامة عدد كبيرة من المشاريع الرياضية، منها إقامة ملاعب دولية لكرة القدم، وأكاديمية رياضية تحمل اسمه، وقدم دعماً مالياً من الاتحاد إلى الفرق الفلسطينية لتمكينها من توظيف لاعبين متفرغين.