إجمالاً، وعلى مستوى معين من التعميم، تم حل مشكلة الإسكان الخانقة التي أنتجتها الطفرة الاقتصادية التي حدثت في منتصف السبعينات من القرن الماضي، أو على الأقل تم التخفيف من حدتها بنسبة كبيرة في نهاية ثمانينات القرن الماضي، كما جاء في هذا الحيز في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي. غير أن المملكة العربية السعودية لم تبقَ في مكانها، فزاد عدد سكانها، وتوسعت مدنها وبلداتها وهجرها وقراها، ومرت بما يقارب شيئاً من الطفرة الاقتصادية ابتداءً من أواخر 2003. والمختلف هذه المرة عما سبق في السبعينات من القرن الماضي، أنه بالإضافة الى أزمة إسكان بسبب زيادة عدد السكان من مواطنين ومن مستقدمين وتضخم المدن، برزت أيضاً مشكلة البطالة، فارتفعت تكاليف الإسكان وتعذر امتلاك المساكن على الشباب وعلى غيرهم من متوسطي الدخل عامة، دع عنك العاطلين عن العمل. فواجهت الدولة مشكلة الإسكان الحالية باستحداث وزارة للإسكان، وضمِّ ذي الذكر الحسن المحمود، صندوق الاستثمارات العقارية إليها. وقبل بضعة أسابيع تم تكليف الدكتور شويش بن سعود الضويحي وزيراً لها، كما صدر أمر ملكي لوزارة الإسكان ببناء ربع مليون وحدة سكنية خلال خمس سنوات. إن وزير الإسكان الدكتور شويش، رجل ذكي هادئ قليل الكلام دؤوب على العمل، ومع أن الحمل الذي تم تكليفه بحمله ثقيل مرهق ينوء بحمله الأشداء من الرجال، فإن الدكتور الضويحي سيكون بقدر المسؤولية بحول الله وقدرته. إن مشكلة الإسكان في السعودية ليست مشكلة تخطيط للبناء والتنفيذ فحسب، على رغم ما يرافق مهمات التخطيط الإسكاني المناسب وتنفيذه من صعوبات، ولكنها أيضاً مشكلات تشريعات تحكم علاقات كل أطراف الإسكان من جهات حكومية ومطورين ومُلاّك أراض ومرافق وغيرها وغيرها الكثير. يقول الأستاذ عيسى الحليان في «عكاظ» في العدد الذي صدر يوم الخميس 28/4/2011: «البعض لا يزال يجادل بأن على الوزارة أن تقوم بدور المنظِّم أولاً لتسريع عجلة الإصلاحات التشريعية اللازمة لهذا القطاع، والتي يعول عليها بزيادة المعروض من المساكن، لكن الوزارة مطلوب منها أن تقوم بدور المطور لهذا العدد الهائل من الوحدات وخلال فترة لا تتجاوز خمس سنوات. ميراث لا يُطمئن ومستقبل مليء بالتحديات والمطبات، أعان الله الوزارة عليه. فهل تكرس الوزارة جهودها لبناء ربع مليون وحدة سكنية، وهي مهمة مضنية في حد ذاتها يصعب تحقيقها خلال خمس سنوات، أم تتفرغ للأنظمة التي تحكم شؤون الإسكان؟». حالياً هناك مشكلات حقيقية يؤدي وجودها بكل تأكيد الى التقليل من المعروض من الإسكان، مما يسبب ارتفاع تكاليفه، لعل أهمها أولاً مشكلة المؤجَّر، سواء أكان فرداً يملك عدداً صغيراً من الشقق أو الوحدات المنفصلة، أم مطوراً كبيراً يملك أعداداً كبيرة من وحدات الإسكان التي يحتاج إليها المواطنون والمقيمون. فالنظام الحالي لا يحمي المؤجِّر إذا امتنع المستأجِر لأي سبب عن دفع الإيجار، ولا يستطيع من دون استصدار أمر من سلطة حكومية قطع الكهرباء أو الماء حتى لو كان يعلم أن المستأجر مماطل لا عاجز. ولذلك تجد أن غالبية أصحاب المجمّعات لا تؤجر إلا المقيمين والشركات والقطاعات الحكومية وتحاول تحاشي إسكان المواطنين السعوديين. ولا تختلف مشكلة من يملكون وحدات يشتركون فيها مع آخرين بالنسبة الى دفع تكاليف المرافق العامة للجميع، كالمصاعد أو الحدائق أو حتى المياه أو الكهرباء أحياناً، عن مشكلة المؤجرين. أما مشكلة من يشترون الأراضي للبناء عليها من أصحاب المخططات، فقديمة ومعروفة، منذ بدأت في سبعينات القرن الماضي وحتى لحظة كتابة هذا الموضوع، فهم يبيعونها من دون إلزامهم أولاً بتمديدات الماء والكهرباء والهاتف ومجاري السيول ومجاري الصرف الصحي. وبعد أن يتم بناء هذه المخططات تأتي شركات ومصالح المرافق الحكومية لشق الطرق وتنفيذ التمديدات اللازمة، مع ما يترتب على ذلك من إزعاج وأذى للسكان، على رغم أهمية إيجاد تلك المرافق. وبالنسبة إلى المطورين، فهم يحتاجون الى فترة طويلة لاستصدار التصاريح للتنفيذ من جهات بيروقراطية حكومية متعددة، فهم أيضاً يواجهون مشكلة تنظيمية. ويبدو أن هذه هي أهم أسباب تناقص المعروض من الإسكان عن المستوى الذي كان سيكون عليه في غيابها. إذاً ما هو المطلوب؟ الأرجح أنه إنشاء هيئة تنظيمية توحد مرجعية الإسكان يترأس مجلس إدارتها وزير الإسكان، ويكون من بين أعضاء مجلس إدارتها ممثلون للعدل والبلديات والمالية والكهرباء ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وتُعطى إمكانية الاستعانة ببيوت الخبرة العالمية. والهدف هو تذليل العقبات في طريق زيادة المعروض من الإسكان، لتمكين غالبية المواطنين من امتلاك مساكنهم. وفي الختام، لا بد من التأكيد على أنه من السهل على كل بعيد، أو حتى قريب غير ممارس في قطاع الإسكان، اقتراح الحلول. غير ان التجربة تثبت أن المسؤولين من ذوي الحد الأدنى من الكفاءة عن أي قطاع، هم أعمق معرفة وأشمل إحاطة بكل المعوقات التي واجهوها أو سيواجهونها في المستقبل لتحقيق الأهداف التي يكلَّفون بتحقيقها. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي