أهم مشكلتين اقتصاديتين تواجههما السعودية، ومنذ عقود، هما البطالة ثم الإسكان. وحينما مرّت السعودية بما تعارف الناس على تسميته بالطفرة الاقتصادية الأولى في منتصف السبعينات من القرن الماضي، ارتفع التضخم بنسبة كبيرة، تجاوزت 40 في المئة، ولم تكن هناك بطالة. فكل من لم يكن مؤهلاً من السعوديين للعمل في القطاع الحكومي، تحوّل إلى مقاول أو عمل مع مقاول. وصار أقل السعوديين دخلاً نسبة إلى من صار مقاولاً أو عمل مع مقاول أو له أي علاقة ببيع وشراء الأراضي مهما كانت العلاقة صدفة أو عفوية، هو الموظف الحكومي. ولذلك اندفع الكثيرون من صغار الموظفين إلى التجارة أو المقاولات. وهناك قصص حقيقية معروفة لأميين أو شبه أميين صاروا من اصحاب البلايين، إما من طريق المقاولات والاستقدام أو من طريق القطاع العقاري. وبما أن الأراضي التي يمكن الاستفادة منها في بناء المساكن التي يتوافر فيها شيء من الخدمات كالمياه والكهرباء، دع عنك الهاتف الذي ما كان يظفر بالحصول عليه إلا المحظوظون، أو حتى القريبة من مناطق تتوافر فيها كهرباء أو ماء أو كلاهما «محدودة»، فقد ارتفعت أسعار العقار بكل مكوناته، بما في ذلك البيوت الطينية القديمة الصغيرة، وبالطبع الأراضي التي يمكن الاستفادة من البناء عليها بأضعاف نسبة التضخم العامة التي تجاوزت 40 في المئة وهي نسبة عالية جداً بكل المقاييس. فجأة تكونت أزمة إسكان خانقة بالنسبة إلى سكان المناطق الحضرية، على رغم أن كبريات المدن السعودية في وقتنا الحالي كالرياض وجدة ومكة المكرمة والدمام لم تصل حينئذٍ إلى أكثر من ربع وربما خمس ما وصلت إليه الآن لا من حيث المساحة ولا من حيث عدد السكان. فكيف واجهت الدولة في ذلك الوقت أزمة الإسكان الشديدة؟ من طريق إنشاء «صندوق الاستثمارات العقارية» واستحداث «وزارة الأشغال». كان صندوق الاستثمارات العقارية يدار بما يقارب إدارة المؤسسات التجارية. ورئيس مجلس إدارته هو وزير المال. وسرعان ما حقق نجاحات باهرة في فترة قصيرة لأن نظامه وظّف الدوافع الذاتية أو ما سمّاه مؤسس علم الاقتصاد الأيدي الخفية. وللشيخ محمد أبا الخيل، وزير المال حينذاك ولمساعدة الدكتور صالح العمير، الفضل في فكرة إنشاء ذلك الصندوق وصياغة نظامه والإشراف على تسييره. كانت فكرة الصندوق مبنية على مبدأ أن الناس أدرى بكيفية حل مشكلاتهم الإسكانية إذا توفّر لهم التمويل. وما داموا هم المالكون لما يبنون بعد تسديد ما عليهم من أقساط سنوية غير مرهقة بأي مقياس، فهم أيضاً أدرى بكيفية المحافظة على ما يملكون. إن الجزء الأكبر من الأحياء في المدن السعودية التي تم بناؤها في أواخر السبعينات وخلال الثمانينات تم تمويل الجزء الأكبر من تكاليف بنائها من طريق صندوق الاستثمارات العقارية. وكل المباني التي نراها اليوم في البلدات الصغيرة التي حلّت فيها المباني المسلّحة بالأسمنت والحديد محل المباني الطينية القديمة، هي من ثمرات صندوق الاستثمارات العقارية. بإيجاز حقق ذلك الصندوق المبارك نجاحاً مشهوداً، وخفف بنسبة كبيرة مطّردة أزمة الإسكان. أما بالنسبة إلى وزارة الأشغال فقد كان نجاحها محدوداً في حل أزمة الإسكان في السبعينات والثمانينات، ليس بسبب نقص في التمويل أو نقص في الأراضي التي يمكن البناء عليها أو سوء إدارتها، وإنما لسبب واحد وهو تكليف الوزارة بالبناء قبل تحديد الأنظمة التي تحدد كيفية استفادة المواطنين من تلك المساكن، وكيفية وضع الدوافع الذاتية للناس للمحافظة عليها، ولا عن تحديد الأنظمة التي تحكم علاقة السكان بالمرافق العامة التي تخدم كل سكان المباني المتعددة الطوابق ولا المرافق التي تخدم جميع السكان، إن وجدت، بالنسبة إلى سكان الوحدات الصغيرة المنفصلة. أما محاولة الدولة حل مشكلة الإسكان الحالية فهو ما ستتم مناقشته في الأسبوع المقبل إن شاء الله. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي