لم يخفت بريق نجم مصمّم الأزياء العالمي عز الدين علية في سماء الموضة والأزياء في باريس على رغم رحيله في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. ومحبّوه هم اليوم على موعد جديد مع أجمل ابتكاراته بمناسبة المعرض المقام لها حالياً في صالة العرض التي تحمل اسمه في العاصمة الفرنسية. وهذه الصالة التي تقع في قلب حي الماريه التاريخي كانت قد شهدت في السنوات الماضية أحداثاً فنية مهمة ومعارض لمبدعين في مجالات متنوعة ومنها معرض لرسوم الشاعر أدونيس أقيم عام 2015. بعد وفاة الفنان نتيجة سقوطه عن سلم في منزله وهو على أبواب الثمانين من العمر، قرر أصدقاؤه والمقربون منه وفي مقدمهم الفنان الألماني كريستوف فان وين والناشرة الإيطالية كارلا سوزاني المعروفة في عالم الموضة والتي كانت ترتدي تصاميمه، تحويل الجمعية التي أُنشئت عام 2007 وتحمل اسمه، وكان من أهدافها الحفاظ على تراثه وتراث ما أحبه وجمعه في حياته، إلى مؤسسة تحمل اسمه أيضاً وسيكون مركزها في صالة العرض حيث يقام حالياً المعرض الذي يستعيد نتاجه. أشرف على هذا المعرض الباحث الفرنسي المتخصص في الموضة أوليفييه سايار وهو كان أيضاً عام 2013 المشرف على المعرض الكبير الذي أقيم في متحف «قصر غالييرا» المخصص للموضة في باريس لتكريم مسيرة عز الدين علية. ومعروف عن سايار إعجابه الكبير بإبداع المصمم التونسي حتى أنه قال عنه: «نتاج عليّة يبدو في نظري مكتملاً إلى درجة لا يمكن تعديلها بأي شيء آخر من خارج تصميمه ورؤيته، لأنّ ما يولد بين يديه يبقى صامداً مع الزمن ويحافظ دائماً على جماله ورونقه». زيارة المعرض تبيّن التحولات والمراحل التي مر بها أسلوب علية منذ أن فرض نفسه في مرحلة ثمانينات القرن الماضي من خلال تصاميمه المميزة والمجددة والتي ركّزت، بالاعتماد على اللونين الأسود والأبيض بالأخص، على إيقاعات هندسيّة متحرّكة تنحت جسد المرأة وفق إيقاعات الضوء واللون، وتستوحي فنون الثقافات المختلفة ومنها الفنون الفرعونية والفنون الأفريقية. كان علية، وقبل المصممين اللبنانيين الذين فرضوا وجودهم في فرنسا والعالم، أول مصمم عربي يخترق عالماً هيمن عليه منذ مطلع القرن العشرين مصممون أوروبيون، وكان تعاون مع البعض منهم في بداية مشواره الفني وبعد أن استقر في باريس عام 1956، كالمصممين غي لاروش وتييري موغلر. عرف عن علية ابتعاده عن الأضواء ومظاهر الشهرة والمجد، وكان للنساء الشهيرات دور أساسي في إطلاق موهبته، فارتدت فساتينه أشهر العارضات والممثلات والمغنيات وزوجات الرؤساء ومنهن صديقته المقرّبة العارضة البريطانية ناومي كامبل وميشيل زوجة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما. بعد باريس، ستسافر فساتين علية إلى لندن حيث سيقام له في «متحف التصميم» في لندن معرض استعادي شامل ابتداء من أيار (مايو) المقبل، يشرف عليه مارك ويلسون الذي كان قد بدأ الإعداد لهذا المعرض مع علية نفسه قبل وفاته. وسيضم المعرض ستين من أزيائه التي صنعت مجده، ومن المتوقع أن يحقق نجاحاً كبيراً وسيكون الأول من نوعه في العاصمة البريطانية. لا يزال ما حققه عز الدين علية حاضراً بقوّة في مشهد الأزياء والموضة في أوروبا، ومن ثقافة تنظر إلى الجسد بصفته تحفة فنية في حال تقديمها بالصورة المبتكَرة اللائقة. وليست مصادفة أن يشكّل اسم علية في العقود الأخيرة، ولما يتمتع به من موهبة وإبداع، علامة فارقة فرضت صاحبها كواحد من الأسماء العالمية الشهيرة في هذا المضمار. حبّذا لو يلتفت العالم العربي يوماً إلى هذه الموهبة الفنية التي لم يقوَ عليها الموت.