ما إن بدأ الطيران التركي بقصف مدينة عفرين وقرى عدة في محيطها شمال سورية ضمن عملية «غصن الزيتون» العسكرية، حتى فرغت الشوارع من المدنيين الذي لازموا منازلهم مع أطفالهم المذعورين، وسارعوا الى الاحتماء داخل الطوابق السفلية والأقبية. وفرضت الإدارة الذاتية الكردية حظر تجول ومنعت أي نوع من التجمعات المدنية، فيما أقفلت كل المتاجر والمؤسسات التجارية والمدارس أبوابها. وذكرت نسرين وهي ربة منزل في عفرين لوكالة «فرانس برس»: «يرتعب ابني البالغ من العمر أربع سنوات كلما سمع صوت الطائرة، ويسألني ما الذي يحصل؟». وسألت: «ما ذنبه أن يعيش حال الرعب هذه هو الذي لم يرَ شيئاً من حياته نتيجة الحرب؟» وعلى غرار الكثير من سكان المنطقة، عمدت نسرين إلى الاختباء مع أفراد عائلتها في أحد الطوابق السفلية من المبنى الذي تقطن فيه، استجابةً لتعليمات سبق للإدارة الذاتية الكردية أن أبلغت السكان بها. وأوضحت: «جهّزنا الأقبية لنحمي أطفالنا وشبابنا، إضافة إلى تخزين المواد الغذائية الأساسية خصوصاً الحليب وأدوية الأطفال والعجزة الذين لا يستطيعون التحمل». وخلت شوارع مدينة عفرين تماماً من المدنيين بعد بدء القصف التركي، فيما اقتصرت حركة المرور على سيارات وآليات عسكرية لمقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تسيطر على المنطقة. وقالت المدرّسة رندة مصطفى من منزلها في عفرين: «لا أدري كيف أصف مشاعري في هذه اللحظات بعد مرور الطائرات التركية في سماء المدينة وقصفها المدنيين في مناطق آمنة». وأضافت: «الأطفال خائفون وشعبنا مسالم، ما ذنب هؤلاء الأبرياء؟»، معتبرةً أن تركيا تريد «زرع الفتنة بين مكونات الشعب السوري وتمارس الحرب النفسية علينا وتريد إفراغ منطقتنا من سكانها». وأدى القصف التركي إلى مقتل عشرة أشخاص من بينهم سبعة مدنيين، كما أكد الناطق باسم الوحدات الكردية بروسك حسكة، فيما أعلنت أنقرة من جانبها أن الأهداف التي قصفتها في منطقة عفرين تسببت بوقوع خسائر في صفوف المقاتلين الأكراد، من دون الإشارة إلى ضحايا مدنيين. وذكرت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في مقاطعة عفرين هيفي مصطفى أن القصف التركي استهدف «المدنيين في نقاط عدة من المدينة وبعض النواحي التابعة لها في المقاطعة»، مشيرةً إلى «اتخاذ إجراءات لحماية المدنيين من حفر ملاجئ وأنفاق لاستخدامها عند الظروف الطارئة». ولفتت إلى أن «الخيارات المتاحة أمام الإدارة الذاتية هي المقاومة فقط ولن نسمح بالاحتلال التركي للأراضي السورية». وأعربت عن خشيتها في أن تستمر «القوى الدولية الموجودة على أرض سورية، والتي تدّعي أنها أتت لمحاربة الإرهاب وحل الأزمة السورية، في غض نظرها عن الاحتلال التركي». وأتت تصريحات مصطفى غداة إعلان وزارة الدفاع الروسية سحب جنودها الذين كانوا منتشرين في منطقة عفرين ل «ضمان أمنهم». ونددت القيادة العامة ل «وحدات حماية الشعب» ب «حرب عدوانية ضد شعبنا بعدما شارفت الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي على النهاية». وأثار اختيار تركيا تسمية «غصن الزيتون» لهجومها امتعاض عدد من أهالي عفرين. وذكر جميل (22 سنة) أن «الهدف من تسمية أردوغان للعملية «غصن الزيتون» يعود إلى أن عفرين هي مدينة الزيتون والسلام لكنه أثبت لنا من خلال هذه التسمية أنه لا يريد السلام ولا الأمان». وتعدّ عفرين المعروفة بكروم زيتونها وبجودة إنتاجها من الزيت والصابون، أول منطقة اختبر فيها الأكراد الحكم الذاتي بعد اندلاع الأزمة ثم انسحاب القوات النظامية السورية منها عام 2012. وكانت تركيا أعلنت أول من أمس شن عملية عسكرية سمّتها «غصن الزيتون» على مواقع «وحدات حماية الشعب» في عفرين، شمال حلب.