حين اقتحم الشباب الفلسطينيون السياج الفاصل بين سورية والجولان المحتل، الأحد الماضي، ووصل واحد منهم هو حسين حجازي (وغيره) الى الجولان، حيث استقل باصاً لناشطي سلام الى حيفا لرؤية منزل أهله، واحتلت روايته في اليوم التالي الصحف، دفعت رمزية الحادثة الكثيرين، ومنهم الإسرائيليون، الى التفكير في مغزاها العميق. وإضافة الى أن الإعلام الإسرائيلي استنتج مما حصل في الجولان، وعند السياج الذي يفصل بلدة مارون الراس اللبنانية عن فلسطينالمحتلة، ومعبر قلنديا، وغيرها من مسيرات تحت شعار «العودة»، أن الثورة العربية تقرع باب إسرائيل، كان من الطبيعي أن يستنتج آخرون أن تمكُّن حسين حجازي من الوصول الى الجولان المحتل وتخطّيه، يعني أنه في إمكان أي مقاومة سورية لتحرير الجولان أن تسقط اتفاق فصل القوات الموقع عام 1973. كان التحرك على جبهة الجولان بعد مضي ما يقارب ال40 سنة على جمودها، هو العنصر المستجد الذي يضرب جرس الإنذار للجانب الإسرائيلي وللدول المعنية الأخرى في المجتمع الدولي. إلا أن رمزية هذا الحدث ارتبطت بجانب آخر من التأزم الذي تعيشه المنطقة، فالرسالة السورية كما فهمها الكثير من الدوائر الدولية، هي أن دمشق قادرة على هز استقرار إسرائيل إذا صعّد المجتمع الدولي من ضغوطه على النظام في إطار الأزمة الداخلية التي تعيشها سورية بفعل استمرار الاحتجاجات، ومواجهتها من قِبل حكم الرئيس بشار الأسد بالقمع، حتى لو اضطر ذلك النظام الى خوض حرب، ولو جاءت خاسرة بمقاييس ميزان القوى العسكري، كمخرج من هذه الأزمة، وهو خيار يتردد الحديث عنه إذا وضعت هذه الضغوط الدولية، المضافة الى التحركات المعارِضة الداخلية، النظام في موقع حرج. ومع أن هذه الحرب قد تأخذ أشكالاً مختلفة، منها صيغة عمليات ضد الاحتلال بدلاً من الحرب الكلاسيكية، فإن قرار خوضها متعذر من دون أن تنضم إليها الجبهة اللبنانية في مواجهة إسرائيل إذا تفاقمت تطوراتها. وهذا يتطلب قراراً من «حزب الله» بخوض هذه الحرب، ما يستتبع من دون أدنى شك قراراً إيرانياً بتوجه كبير من هذا النوع، مع ما يعنيه من إقامة جسر جوي نحو سورية ولبنان. وفي المقابل، ثمة موانع أمام تخطي رسالة الأحد الماضي إلى ما هو أبعد من رمزيتها. وإذا كانت المواجهة قراراً سورياً، لطهران دور أساسي فيه، فإن عين دمشق على تطورات الصراع الدائر داخل إيران، إن بين المحافظين أنفسهم أو بين المحافظين وبين المعارضين، الذي وإن هَمَد فإنه لم يُخمد. أما إذا كانت المواجهة، وصولاً الى حرب، قراراً إيرانياً، عبر «حزب الله»، فإن الأخير لا يريد الحرب ويسعى الى تجنبها، نظراً الى كلفتها عليه وعلى لبنان. والجانب الإيراني قلق من الوضع الداخلي السوري، مثلما أن سورية قلقة من الوضع الإيراني الداخلي، فضلاً عن أن طهران تركز على الحد من خسائر سياستها الخليجية، خصوصاً في البحرين، بالسعي الى تطبيع العلاقة بينها وبين الدول الخليجية، نتيجة الموقف الحاسم لدول مجلس التعاون الخليجي من التدخل الإيراني في شؤونها. ليس معروفاً عن طهران تهوّرها في حالات كهذه، خصوصاً في ظل تفوق المرشد الأعلى السيد علي خامنئي على الرئيس محمود أحمدي نجاد في الإمساك بزمام السلطة. فهي تخوض مراجعة معمّقة لتطورات المنطقة، وللوضع المستجد في سورية، التي يصعب على طهران احتسابها، كما في السابق، جزءاً أساسياً من خطتها في المنطقة، من دون أن يعني ذلك عدم دعمها للحكم الحليف لها في دمشق. والأرجح أن «الحكمة» التي تتميز بها الحسابات الإيرانية، قد تأخذ طهران نحو سياسة مختلفة تماماً، هي التفاوض وفتح خطوط التواصل مع الغرب والولايات المتحدة، بدل الذهاب نحو المواجهة والحرب.