تعتقد واشنطن أن الاستخبارات الباكستانية ساعدت في تمويل طالبان وتسليحها لأسباب أيديولوجية، ولمواجهة تزايد التأثير الهندي في أفغانستان. وباكستان من جانبها لا تستطيع إعلان الحرب على الجماعات المسلحة بالتعاون مع أميركا، حيث سينعكس الإرهاب في الداخل الباكستاني. وتحاول واشنطن الضغط على باكستان من خلال تقليص أو قطع المساعدات المالية، حيث صرحت سفيرة أميركا في الأممالمتحدة نيكي هايلي بأن «واشنطن أوقفت 255 مليون دولار مساعدات لباكستان، لتقاعسها عن التعاون الكامل في الحرب على الإرهاب». وكتب الرئيس ترامب في تغريدته الأولى لعام 2018: «الولاياتالمتحدة وبحماقة، أعطت باكستان أكثر من 33 بليون دولار من المساعدات في السنوات ال15 الأخيرة، في حين لم يعطونا سوى الأكاذيب والخداع، معتقدين أن قادتنا أغبياء»، وأضاف: «إنهم يقدمون ملاذاً آمناً للإرهابيين الذين نتعقبهم في أفغانستان. انتهى الأمر!». الأمر قابل للتصعيد بين الطرفين، حيث صرح مسؤول حكومي أميركي رفيع المستوى، أن قرار ترامب قد يطال مبالغ يصل مجموعها إلى بليونَي دولار. ويقول المسؤول إن «كل الخيارات مطروحة على الطاولة، بما فيها تجريد باكستان من وضعها حليفاً أساسياً خارج حلف الأطلسي، أو تعطيل قروض في صندوق النقد الدولي». وكردّ فعل محتمل، فإنّ باكستان قد تغلق طرق إمدادات ال»ناتو»، الذي يعتمد غالباً على الطرق البرية والجوية عبر باكستان، ما يجعل جهود الحرب في أفغانستان أكثر صعوبة. ولا تزال قدرة باكستان على تهديد الخدمات اللوجستية الأميركية هائلة، خصوصاً أنّ موسكو سبق وأن أغلقت شبكة التوزيع الشمالية عام 2015. وكذلك فإنّ حرمان واشنطن من خطوطها الجوية إلى أفغانستان، سيؤدي إلى إنهاء قدرتها على تقديم الدعم الجوي عبر المقاتلين والقاذفات في الخليج. وما يجعل واشنطن تواجه خياراً مراً هو استخدام طريق إيراني يتحرك عبر ميناء تشابهار، وهذا ما تدركه باكستان، فلن يكون لأميركا أيّ خيار سوى مواصلة العمل مع باكستان، إذا أرادت البقاء في أفغانستان. من جانب آخر، فإنّ قطع التمويل عن باكستان، لن يجبرها على تغيير أساليبها، مع وجود ممولين آخرين كالصينوروسيا، حيث أعلنت إسلام آباد أنها ستسمح باستخدام اليوان الصيني في معاملات الاستيراد والتصدير والأنشطة الاستثمارية، لتسهيل مشروع استثماري صيني ضخم. ويقول مسؤولون صينيون إنّ بكين تعتزم إقامة قاعدة بحرية لها في ميناء جوادر، الذي اتفقت بكين وإسلام آباد على تطويره وجعله تحت الإدارة الصينية. الأمر الذي سيجعل العلاقات العسكرية بين الصينوباكستان تصبح أقرب إلى «تحالف جديد»، لا سيّما أن الصين تحاول الاستفادة من التوتر بين واشنطن وإسلام آباد للدخول بقوة إلى منطقة جنوب آسيا، والاستحواذ على نفوذ هناك. ديناميكية المنطقة تغيرت في ظلّ بعض التطورات الأخيرة، بما فيها تزايد الحصص الاقتصادية للصين في باكستان ضمن إطار مشروع الممر الاقتصادي بين باكستانوالصين، وتحسين العلاقات العسكرية مع روسيا. ما يجعل باكستان تستقوي بالصينوروسيا، وتتقارب مع إيران، وتسعى لضم تركيا لتحالف جديد للضغط على واشنطن، لتعطيل الاستراتيجية الأميركية الجديدة في أفغانستان، لا سيّما بعد تهديد واشنطن باتخاذ تدابير صارمة ضد باكستان لدعمها التنظيمات المسلحة، ودعوة الهند للقيام بدورٍ أكبر في إعادة تأهيل اقتصاد أفغانستان. لكن الانعطاف الباكستاني نحو الصين بعد فقدان الجيش الباكستاني تحالفه مع أميركا، يخلق احتمالاً قوياً بأن تجد إسلام آباد نفسها في مأزق مماثل مع الصين. ومن المحتمل أن تتصدى الصين، تماماً مثل واشنطن، لمسلحين يتخذون من باكستان مقراً لهجماتٍ على أراضيها. بناءً على ما تقدم، فمن المستبعد أن يتم تعليق المساعدات لفترة طويلة، لا سيّما أنّ البنتاغون ترك الباب مفتوحاً، وعرض على باكستان اتخاذ إجراءات ملموسة لإعادة المساعدات، حيث سينهار الأمن في باكستان لصالح الإرهاب، في حال تمّ منع المساعدات العسكرية الأميركية. وباعتبار باكستان الدولة الأكثر نمواً في مجال تصنيع قنابل نووية تكتيكية صغيرة لاستخدامها في المعارك، فإن واشنطن تخشى أن تقود حالة عدم الاستقرار هناك إلى تسرب تلك الأسلحة للأسواق السوداء الباكستانية، ووصول التكنولوجيا النووية إلى الإرهابيين. لتحقيق الاستقرار والأمن في جنوب آسيا، يكمن الحلّ في تطبيع العلاقات الباكستانية–الهندية، وعلى الفرقاء الدوليين فهم المصالح الأمنية الإقليمية لباكستان، وعدم الضغط عليها بما يفوق قدراتها للدرجة التي تجازف بها بأمنها الداخلي. وهنا يبرز دور التحالف العربي بقيادة السعودية لترميم العلاقات مجدداً بين واشنطنوباكستان، بغية الحفاظ على باكستان كحليف، وعدم دفعه إلى أحضان التحالف الصيني- الروسي- الإيراني. * المدير العام للمركز الدولي لتقويم المخاطر الاستثمارية