في مدينة بون، العاصمة الألمانية القديمة، وعلى شاطئ نهر الراين التقينا، جاء مارسيل بوت، كعادته بنشاط بالدراجة، فلا يمكن أن تتوقع أنه يبلغ ال65 من عمره. وجهه معروف لمشاهدي التلفزيون، الذين اعتادوا رؤيته كلما وقع شيء في الشرق الأوسط، ليوضح لهم الأمر، بلغة بسيطة، وبمعرفة موسوعية، يثير فضول البعض، فيتركون كل شيء، ويجلسون بجوارنا، ليستمعوا له مباشرة. يحفظ الأسماء والأرقام والأحداث، ويربط بينها بصورة ماهرة، تجعلك تتساءل عما إذا كانت الأحداث هي التي تقوده إلى هذه الاستنتاجات، أم أن له قناعاته، وأنه يفتش بين الأحداث ليجد فيها ما يؤيد وجهة نظره، كراهيته للقاعدة لا تمنعه من رفض قتل ابن لادن، ويقول إنه لا يصدق أن القوة الخاصة التي قتلته، كانت عاجزة عن إلقاء القبض عليه. ورداً على سؤال عما إذا كان الشباب الغربي، مستعداً للقيام باحتجاجات على تفضيل حكوماتهم للمصالح على المبادئ، وانتهاج ما أطلق عليه مصطلح (السياسة الواقعية)، قال إن الشباب في الغرب لن يفعلوا ذلك، لأنهم ببساطة يشعرون بالشبع، وعندهم كل شيء، ولذلك فلن تكون هناك حركة احتجاج ضخمة مثل حال بعض الدول العربية. يتحدث عن الثورات العربية دوماً باسم «الربيع العربي»، ولكنه لا يتورع عن التحذير من قدوم خريف، إذا فشلت الثورات السلمية، ولا يعتبر أن الأمور قد جرى حسمها في مصر أو تونس. يأمل في استمرار السياسة الإصلاحية التي تبناها خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز، منذ تسلمه الحكم في المملكة، ويؤيد أن تكون هذه الإصلاحات هادئة وحذرة، مطالباً في الوقت ذاته بأن تكون حازمة ومتواصلة. هو ليس مستشرقاً أو دارساً لعلوم الإسلام، مثل الكثيرين من الخبراء المزعومين، بل هو متخصص في التاريخ والسياسة والقانون، وهو قبل كل ذلك إعلامي، يبحث عن المعلومة، ثم يعيد طرحها في إطار جديد، يمكن أن تقبله أو ترفضه، فهو رأي، ربما يسهم في فهم رؤية الكثيرين في الغرب لما يحدث في المملكة العربية السعودية... فإلى تفاصيل الحوار: أنت تتابع الشأن العربي من خلال عملك السابق، باعتبارك من أكبر الخبراء الألمان في هذا المجال... فهل تنبأت بما يحدث الآن في المنطقة من ثورات وتغيير؟ - أنا، ومثلي الآخرون الذين يعرفون منطقة الشرق الأوسط جيداً، فوجئنا بهذه الأحداث والتطورات، وفي المقام الأول من حيث حجم هذه الأحداث، ومن حقيقة أن هذه الثورات، قامت بها قوى أطلق عليها «طليعية شابة عربية». وهذه القوى شباب مثقف ومتعلم جيداً، وعندهم وعي يختلف عن الأجيال التي سبقتهم، ويتصرفون انطلاقاً من دافع كوني، وهو مبدأ الحرية والكرامة، إنهم يتصرفون بصورة خالية من الأيديولوجية، أي لا يتبعون أيديولوجية معينة، ولم ينطلقوا من دوافع دينية، وهذه هي المفاجأة الاجتماعية الثقافية الكبرى. هل هم نخبة أم أن الشعب كله وراء تلك الثورات؟ - هم نخبة، لكنهم استطاعوا على الأقل في تونس ومصر، أن يجتذبوا معهم شرائح الشعب كافة، بحيث أصبح الحقوقيون والأطباء يطالبون بالحرية والكرامة، كما يطالب بها الفلاحون. «فيسبوك» والوعي لماذا نجح «فيسبوك» فيما فشلت فيه الصحافة بكل توجهاتها وألوانها؟ - إن جيل «فيسبوك» في العالم العربي، استخدمه وسيلة، لكنه ليس السبب وراء هذه الظاهرة، إذ لا يمكنك القيام بثورة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة فقط، إن هذه الثورة تقوم على أساس الوعي، الذي نما خلال السنوات الماضية، ولا يجب إغفال أن جيل «فيسبوك» في مصر ركز عليه وعلى «تويتر» وبقية وسائل شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل التنسيق في ما بينهم، وللمساعدة في التنظيم عبرها. لكن قبل كل ذلك، كانت هناك مرحلة بناء الوعي، بأن الكيل قد طفح، أو «كفاية» كما أطلقوا عليها هناك، لذلك فإن جيل «فيسبوك»، أراد أن يقول إننا نريد نهاية للقهر، والمزيد من الحرية، ونريد آفاقاً مستقبلية، ونريد وظائف، فنحن مؤهلون جيداً، ولكن ما فائدة المؤهل من دون وظيفة، ومن دون القدرة على تكوين أسرة، وطالما كان مفروضاً علينا أن نبقى كالأطفال الصغار عند والدِينا لينفقوا علينا. إن جيل «فيسبوك» وحركة 6 أبريل قد اكتسب المعرفة في بلغراد، التي توجد فيها منظمة، تعمل على أسس علمية، حيث يتعلم فيها الناشطون والمهتمون تقنيات وتكتيك واستراتيجية المقاومة السلمية، وأركز هنا على صفة السلمية. هل من الثابت وجود هذا الدور لهذه المنظمة في تحضير الشباب للثورة؟ وهل يعني ذلك أن هناك قوى خارجية قد لعبت دوراً في تحريك هؤلاء الشباب؟ - القوى الخارجية لم يكن لها أي دور في هذا الأمر، إن القضية هنا تتعلق - كما نراها في شخص وائل غنيم -، بشباب ذكي، استطاع إدراك قوة شبكات التواصل الاجتماعي، وتأثيرها، مع أنهم من وجهة النظر الأيديولوجية أشخاص غير سياسيين، إنهم لا يريدون تنفيذ أيديولوجية معينة، بل يريدون الأخذ بيد المجتمع إلى مرحلة جديدة، أكثر انفتاحاً. يريدون من النظام في مصر، ومن كل نظام حكم في أي دولة عربية أخرى، أن يتوقف عن العمل لمصلحته الشخصية، وعن ضخ الأموال في جيبه الخاص، وأن يحصل المجتمع كله، وليس طبقة مميزة ومحظوظة في المجتمع، على فرص لتحسين ظروفه المعيشية، هذا هو الجانب الاقتصادي والاجتماعي، يريدون أن يحصل كل الناس، وليس جيل «الفيسبوك» فقط، على معاملة فيها كرامة، لا أن يعاملهم النظام ككلاب ضالة. تتحدث عن نظم الحكم في كل الدول العربية... فهل تتوقع ألا يقتصر الأمر على دولتين أو ثلاث، بل أن يشمل المنطقة بأكملها؟ - يمكنك ملاحظة شيء ما، منذ اندلاع الثورة الخضراء في إيران، في صيف 2009، أصبح جيل الشباب في كل الدول العربية، يتململ بعد أن نفد صبره، وهو ما كان واضحاً في تزايد عدد المدونين، ومن يكتب في «تويتر»، والذين أعربوا عن آرائهم، فقامت ذيول النظام الحاكم سواء كان ذلك في تونس أو مصر، وهي الحالات التي خرجت إلى العلن، أو في سورية أيضاً، بمعاقبتهم، ليس بالمضايقات فقط، بل وصل الأمر إلى القتل، وأحد أسباب انطلاق المظاهرات في مصر مثلاً، كان قتل أحد هؤلاء المدونين. الغرب وتفاعله مع الثورات كيف ترون ردود فعل الغرب على الأحداث في الشرق الأوسط؟ - الغرب تصرف بازدواجية في هذه المرة، كما يفعل في مرات كثيرة، فهو قام لعقود طويلة بالتعاون بصورة وثيقة مع أنظمة حكم في العالم العربي، تقوم بالقمع والقهر، وكان يتغاضى دوماً عن انتهاكات حقوق الإنسان، حتى حين جرى سلب حقوق غالبية أطياف الشعب في هذا البلد أو ذلك، كما كان يحدث في مصر، فإن أوروبا والولاياتالمتحدة بالدرجة الأولى، تصرفًا وكأنهما لا يلاحظان شيئاً، واكتفوا بإصدار بيانات عامة، لكي لا يتدخلوا في الأمر. ولكن حين أبدى المتظاهرون في ميدان التحرير إصرارهم وتمسكهم بمواصلة الكفاح، وعدم استعدادهم للتنازل عن حقوقهم، واستمروا في المقاومة، وحين ظهر أن الجيش المصري، وهو العنصر الأساس في هذه التطورات، ليس على استعداد للقيام بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، كما يفعل الجيش السوري الآن، اتضح للغرب أنه لا يمكن الاستمرار في انتهاج سياسة التعامي والتغاضي عن الأمر، واضطر إلى اتخاذ موقف، فحاولت الولاياتالمتحدة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فطالبت برحيل مبارك، لكي يبقى النظام العسكري في الحكم. كان هناك حاجة إلى «كبش فداء»، من دون أن يحدث تحول فعلي في نظام الحكم، لأن الغرب يتخوف من أن يؤدي ذلك إلى عدم الاستقرار في المنطقة، وانتهاج سياسة خارجية عربية مختلفة، ذات توجهات جديدة بين العرب بعضهم بعضاً، وبينهم وبين العالم الخارجي، ونرى الآن أن الحكومة الانتقالية في القاهرة تقوم باتباع سياسة خارجية أكثر التزاماً بحاجات وتطلعات الشعوب العربية، مثلما حدث في القضية الفلسطينية، وهذا بالضبط ما كان الغرب يسعى للحيلولة دون حدوثه، ولكن الغرب فشل في ذلك. ألا يمكن أن يثور الشباب في الغرب على ازدواجية المعايير التي تنتهجها حكوماتهم، ويطالبوا باحترام المبادئ والقيم، بدلاً من استخدامها شماعة لتحقيق مصالح، أم أن هذا وهم؟ - إن الشباب في أوروبا يشعرون بالشبع والرضا، وحتى لو شعر بعضهم بعدم الرضا، فإنهم يعيشون حياة كلها رخاء وخيرات بلا حدود، مقارنة بالشباب العربي. لكنهم يتعلمون في مدارسهم أن هذه القيم والمبادئ هي أساس حضارتهم... - طبعاً، ولذلك هناك دوماً مجموعات صغيرة تطالب بهذه المبادئ، وهناك منظمات حقوق إنسان نشطة، مثل منظمة العفو الدولية (أمستي إنترناشيونال)، و«هيومان رايتس ووتش»، وغيرها من المنظمات التي تكافح من أجل ذلك، لكنها ليست حركة جماهيرية ضخمة. وطالما لم يتعرض هؤلاء الشباب الأوروبي للاضطهاد، ولم يمنعهم أحد من القيام بمظاهرات للمطالبة باحترام حقوق الإنسان في الدول الأخرى، فلن يحدث شيء، إن الناس في الغرب يستطيعون - في معظم الأحيان - أن يقولوا ما يفكرون فيه، وهناك حرية صحافة، باستثناء بعض المواضيع المحظورة، ولكن من ناحية المبدأ فإن المجتمعات الغربية تعيش في حرية، والناس يفعلون ما يحلو لهم، ولا يتعرض أحد لسحب جواز سفره، كما يحدث كثيراً في بعض الدول العربية، بجرة قلم. تنظيم القاعدة دعنا ننتقل إلى الأحداث الأخيرة، ونرجع إلى الخلفيات... متى سمعت عن «تنظيم القاعدة» للمرة الأولى؟ - تنظيم القاعدة لم يكن معروفاً بهذا المصطلح، لكن رجلاً مثل أسامة بن لادن، أصبح موضع الحديث حتى في أوروبا، منذ أن نشط في السودان، وأتذكر القصف الأميركي لمصنع الأدوية في الخرطوم، كما تأكد فيما بعد، ولم يكن هذا القصف تحذيراً للحكومة السودانية وحدها، التي آوت أسامة بن لادن، بل كانت تحذيراً له هو نفسه. أما بالنسبة للتنظيم نفسه، فإن أيديولوجيته حاولت استخدام غطاءً دينياً، ولكنها فشلت في ذلك، لأن أي شخص يعرف الإسلام، يدرك جيداً أن هذا التأويل المشوه للمضامين الدينية، لا يمكن أن يعترف به أي عالم دين معتمد. إن الفكر الذي تتبعه «القاعدة» لا يمكن اعتباره أيديولوجية بنّاءة، لأن هدفها بعْث قيم ثقافية اجتماعية متشددة ونشرها بين طبقات المجتمع، والعمل على التخلص من أنظمة الحكم، باستخدام العنف والإرهاب. وبذلك فهي أيديولوجية تعتمد على الهدم، وتستخدم كلاماً مبهماً عن العودة إلى جذور الإسلام، لكنها لا تشرح المقصود بذلك. هل تعتقد أن غياب أسامة بن لادن، سيجعل الغرب يعود إلى القيم والمبادئ التي ينادي بها، ويرفض التعذيب في المعتقلات، ويغلق السجون السرية، ويرفض التعاون مع الأنظمة التي تنتهك حقوق الإنسان؟ - لا، لن يغير من الأمر شيئاً، بالنسبة إلى الغرب وللولايات المتحدة بالدرجة الأولى، وسيواصل الغرب قبول حدوث التعذيب في السجون، ستصدر شكاوى من ذلك، ولكن لن يكون هناك تركيز على هذا الأمر. هذا جزء من السياسة الواقعية التي ينتهجها الغرب. السياسة الخارجية قائمة على السياسة الواقعية، وعندما يتسبب انتهاج سياسة فرض مفاهيم احترام حقوق الإنسان، في تهديد مصالح هذه الدول الغربية، فإن حقوق الإنسان تحتل مكانة متأخرة. إن الغرب يتصرف بمعايير مزدوجة، وسيبقى الأمر على هذا النحو، ففي ليبيا يتم دعم الثوار، مع أنهم في الحقيقة متمردون، ويجري تبرير هذا الدعم بحماية حقوق الإنسان، ولكن عندما يحدث الشيء نفسه في دول أخرى مثل سورية فإن الغرب لا يقوم بأي شيء. عندما جرى اغتيال أسامة بن لادن على يد الولاياتالمتحدة الأميركية، وجدنا كثيرين في الغرب يتساءلون عن مشروعية ذلك، ويشككون في استنادها إلى القانون الدولي، لكن حين قامت القوات الإسرائيلية باغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس، ومن جاء بعده في رئاسة الحركة، فإننا لم نسمع مثل هذه الانتقادات، فهل إسرائيل فوق المساءلة؟ - بل كان هناك في الإعلام من انتقد ذلك، لقد قمت آنذاك بالكتابة عن سياسة القتل المتعمد التي تنتهجها إسرائيل، وانتقدت تلك السياسة بشدة. إنني أعتبر هذه الممارسات منافية لحقوق الإنسان. بل أعتبرها جريمة، كذلك فإن قتل أسامة بن لادن كان خطأ كبيراً من الناحية القانونية، ولست مقتنعاً بأن إلقاء القبض عليه من دون قتله، لم يكن ممكناً، من رأيي أن الإدارة الأميركية كانت تريد أن تجعل منه عبرة، وكانت هناك رغبة في تجنب حدوث محاكمة طويلة الأجل، تستمر سنوات، وتكون محفوفة بالكثير من المخاطر القانونية، وعندها لم تكن القيادة السياسية ستحقق هذا الشعور بالنصر الذي يتملكها الآن. هل ما زالت مشاعر الانتقام التي كانت سائدة في العصور الوسطى، موجودة في عالم اليوم؟ - في الولاياتالمتحدة بالتأكيد نعم، لقد رأيت وزير العدل الأميركي يقول إن ذلك التصرف يتطابق مع قيمنا ومبادئنا، وكان يجب علينا اتخاذ هذا القرار، لأن ابن لادن كان قائداً في معركة. لكن من وجهة نظر القانون الدولي، لم يكن الأمر يتعلق بحرب، حتى وإن أطلق عليه الأميركيون مصطلح «الحرب على الإرهاب»، أعتبر أن كل ما حدث خطأ، وأنه كان يمكن التعامل مع الأمر بصورة أكثر ذكاءً. الإرهاب سيبقى إذا افترضنا أن الإرهاب المنسوب ظلماً إلى الإسلام سيختفي... فهل سيتوقف الغرب عن اعتبار الإسلام عدواً له، ويبحث عن عدو جديد؟ - لا أعتقد بأن ذلك سيحدث، يجب ألا ننسى أن أسامة بن لادن لم يكن له دور عملياتي في السنوات العشر الأخيرة، وإذا تناولت «القاعدة» في العراق أو في جزيرة العرب، أو في المغرب العربي، فإن الأمر يتعلق في كل مكان، بمجموعات تتحرك بصورة مستقلة وغير مركزية، لا علاقة لها بالمنظمة الأم، تتحرك بمفردها وتتولى التمويل بنفسها، والشيء الوحيد الذي يربط بينها هو أيديولوجيتها الهدّامة. إن الثورات العربية، أو ما نسميه «الربيع العربي»، وضعت «القاعدة» في موقف صعب للغاية، لأن التغيير لم يتحقق بفضل الإرهاب، بل عن طريق المقاومة السلمية. هل كان ابن لادن هو السبب في الصورة السلبية للإسلام في الغرب؟ - إن أنشطة «القاعدة»، والبروباجندا التي تدعو فيها إلى تدمير الغرب، أدت إلى وضع بقعة على صورة الإسلام، وأدت إلى الحيلولة دون النظر إلى توضيح الوجوه الكثيرة للإسلام، كما هي الحال بالنسبة إلى المسيحية، ومثل كل دين، وأصبح من الصعب التعرف على الإسلام بصورته الحقيقية، لكن صورة الإسلام في ألمانيا متأثرة بسلوك مجموعة من العمال الأجانب، وهم من الأتراك وليسوا عرباً، وهؤلاء الأتراك هم من المزارعين القادمين من شرق الأناضول، ولا يتمتعون بقدر كبير من التعليم. هناك من يتوقع حدوث عمليات انتقامية بعد قتل ابن لادن، وهناك تحذيرات من مخاطر كبرى... فهل كانت هذه الخطوة تستحق كل ذلك؟ - إن قتل ابن لادن يعد من الناحية الرمزية، ضربة في الصميم، بالنسبة إلى «القاعدة»، ولكن من الناحية العملياتية، لن يكون له تأثير، سواء استمر ابن لادن على قيد الحياة أم لا، سواء جرى عرضه على محكمة أم لا، فإن أنشطة الجماعات الصغيرة المتطرفة ستستمر، ولا أرى أي فرق أو تأثير. شعر البعض بالحزن في العالم الإسلامي على موت بن لادن، في مقابل فرحة عارمة في الغرب... فهل يمكن أن يلتقي الشرق والغرب بعد أن تهدأ انفعالات ردود الفعل، أم سيبقى الاختلاف بينهما؟ - لا بد من أن نسأل عن هؤلاء الأشخاص الذين صلوا عليه صلاة الغائب، وسنجدهم أقلية محدودة، وإذا تحدثت مع المتظاهرين في ميدان التحرير عن ابن لادن، سيقولون لك إن هذا الرجل لا يعنينا، ولا يشكل أهمية بالنسبة إلينا، وأيديولوجيته لا تعني أي شيء بالنسبة إلينا، إننا نحتاج إلى إصلاح، ونريد مجتمعاً جديداً. وسبب التعاطف معه من بعض الأفغان أنه كان ينفق عليهم، لكن الكثيرين من الأفغان يلعنونه لأنه تسبب في مقتل الآلاف منهم، ومشكلة أفغانستان أصبحت بسببه أكثر تعقيداً، لذلك فإنني لا أعتقد بأنه يمكن القول بأن الغرب والعالم العربي سيزدادان تباعداً، بل إنني على العكس، أرى أن حقيقة قيام طليعة من الشباب العرب بالتوجه نحو القيم الكونية، التي لا علاقة لها بالغرب، مثل الحرية وكرامة الإنسان، فإن ذلك سيؤدي إلى تقارب هاتين الثقافتين من جديد. الثورة والقاعدة في مصر وتونس نجحت الثورة، وفي دول أخرى مثل اليمن وسورية وليبيا وغيرهم لم يتحدد مصيرها بعد... ألا تعتقد أن عدم نجاح الثورة في هذه الدول، قد يؤدي إلى حصول «القاعدة» على المزيد من الأتباع، بعد فشل أسلوب المقاومة السلمية في إحداث التغيير المطلوب؟ - لا يمكن اعتبار الأحداث في هذه الدول حركة واحدة. صحيح أن هناك نقاطاً مشتركة بينها، مثل وجود نسبة كبيرة من الشباب في المجتمع، وسيادة شعور بالإحباط لدى هؤلاء الشباب، وعدم وجود آفاق مستقبلية أمامهم، ورغبة مشتركة في التغيير، إلا أن الهياكل والتراكيب مختلفة من بلد لآخر. ففي سورية مثلاً هناك مجموعات عرقية مختلفة، ومجموعات دينية مختلفة، والعلويون والمسيحيون لا يريدون تغيير النظام، هم يريدون إصلاحات، على أن تتم على يد النظام نفسه، هم لا يريدون المخاطرة بالاستقرار، ويخاف المسيحيون أن يحدث لهم ما حدث مع مسيحيي العراق، والمسيحيون في الأردن أيضاً يتمسكون بالملك، لأنه هو الذي يضمن عدم تعرضهم لأي أذى. لكن إذا لم تنجح الثورات، مع التنبيه إلى أن الأوضاع في مصر لم تستقر بعد، وكذلك الحال في تونس. إذا لم تنجح الثورات، فيمكن أن يتسبب الشعور بالإحباط، والشعور بعدم إمكان إعادة صياغة المستقبل بهذا الأسلوب السلمي، إلى أن تقوم مجموعة من الشباب بتبني مواقف راديكالية متطرفة، وتتجه إلى مجموعات تعتمد هذه الأيديولوجيات. هل تتابع الأوضاع في المملكة، وما المصادر التي تعتمد عليها؟ - طبعاً أتابع الأوضاع في المملكة، لأنها دولة محورية في منطقة الخليج، ومن وجهة نظري فإن المملكة هي القوة الوحيدة المتبقية التي تقف أمام إيران، لأن العراق أصبح ساحة لعب لإيران، بمساعدة الأميركيين. عموماً أعود لسؤالك، أتابع الأوضاع هناك عن طريق الإنترنت، إضافة إلى معرفتي بأشخاص في الداخل يوفرون لي المعلومات. وكيف ترى الأوضاع هناك من خلال هذه المصادر؟ - انظر، إن الملك عبدالله حاكم إصلاحي، قام منذ تولي الحكم في عام 2005، بتبني سياسة الإصلاح الهادئ الحذر، لكن الوضع الحالي في المنطقة، أدى إلى وجود قناعة بأهمية تسريع هذا النهج. قنابل موقوته وكيف ترى مستقبل المملكة؟ - يجب على السعودية أن تنتهج سياسة إصلاحية حذرة، لكنها حازمة ومتواصلة، لأن مسألة التطور السكاني تشكل قنبلة موقوتة، فالسعوديون يتزايدون بأعداد ضخمة، وهناك مشكلة بطالة لدى الشباب. والقرارات الأخيرة المتعلقة بالإعلام، والتي تضع القيود على انتقادات علماء الدين وغيرهم، تسير في اتجاه جديد على كل ما قام به الملك عبدالله منذ تولى الحكم، لقد قام بإصلاحات من القمة إلى القاعدة، ولا يجوز الرجوع عن كل ذلك. هل تتصور أن تعمل في التلفزيون السعودي، وما المهمة التي ستقوم بها؟ - طبعاً، وعندها سأحاول أن أوضح للمشاهدين السعوديين، الشخصية الأوروبية، والوعي الأوروبي تجاه المنطقة العربية، وفي الوقت نفسه أسعى لتوضيح أنه على رغم وجود الخلفيات الثقافية المختلفة، فإنه يمكن التوصل إلى قيم مشتركة، لأن كل مجتمع يقوم على أسس كونية، مثل كرامة الإنسان، وحماية هذه الكرامة، والحرية، مع القناعة بأن مفهوم الحرية ينبع من الخلفية الاجتماعية والثقافية، ولكني لا أعتقد إمكان أن يتقدم مجتمع من دون الحرية. لقد كنت مرات عدة في المملكة، وأعرف أن المثقفين هناك يشْكون دوماً من هذه المشكلة، سواء تعلق الأمر بأساتذة جامعات، أم بإسلاميين سابقين، أصبحوا الآن ليبراليين، كلهم يرون الأمر الطريقة نفسه، ولا سيما في قطاع التعليم، الذي ينبغي أن يتوقف عن أسلوب التلقين والحفظ، ويتيح بدلاً من ذلك للطلاب فرصة تعلم التعبير عن آرائهم والتوصل بأنفسهم لاستنتاجات، وأن يطوروا هذه القدرات. هل يمكن أن تكشف لنا موضوع كتابك الجديد، ومتى سيصدر؟ - كتابي الجديد سيكون عن «الربيع العربي»، وهو مصطلح نقصد به الثورات في العالم العربي، وسيتضمن أسباب هذه الثورات، وتوقعاتي لما ستؤول إليه الأمور، والموقف الغربي المتناقض من المنطقة، وسأركز على الدول المحورية هناك، وأتناول سياساتها، لمعرفة إلى أين تتجه الأمور والتطورات في المنطقة ككل. هل سيكون كتاباً للمتخصصين بمصطلحات صعبة أم سيكون موجهاً للقارئ العادي؟ - سيكون للجمهور العريض من القراء، وسيحتوي على تقارير عن الأحداث التي أعيشها في رحلاتي، وريبورتاجات، لذلك سأسافر إلى المنطقة ولو استطعت السفر إلى السعودية، فسأفعل، بعد وضع خطة العمل للكتاب.