تحولت مسيرة «حق العودة» التي انطلقت في مناسبة الذكرى ال 63 للنكبة من مخيمات لبنان إلى بلدة مارون الراس الحدودية، مواجهة بين المشاركين من فلسطينيين وناشطين لبنانيين وبين القوات الإسرائيلية التي ارتكبت مجزرة في حق المشاركين العزل، سقط فيها عشرة شهداء و112 جريحاً اصابات معظمهم بالغة برصاص أطلقته عليهم بعد اقتراب بعضهم من الشريط التقني ورفعهم أعلام فلسطين عليه ورشقهم الجنود الإسرائيليين بالحجارة. ولم تفلح النداءات التي اطلقها منظمو المسيرة إلى الشبان المتحمسين بالاكتفاء بالوقوف في ساحة البلدة وعدم الاقتراب من الشريط التقني، كما لم يستجب هؤلاء بعد سقوط قتلى وجرحى من بينهم، إلى طلب اللجنة إنهاء المسيرة والعودة، فقرروا البقاء بجانب الشريط وأرض فلسطين ساعات إضافية، ما اضطر الجيش اللبناني إلى التدخل، فأجرى اتصالات مع القوات الدولية العاملة في الجنوب (يونيفيل) التي أجرت بدورها اتصالات مع الجانب الإسرائيلي لوقف إطلاق النار والقنابل الدخانية على المتجمعين في الجانب اللبناني. واثر عدم استجابة الشبان إلى النداءات المتكررة لإخلاء المنطقة بعد قرار منظمي المسيرة إنهاء التحرك والمغادرة، اجتاز عناصر من مغاوير الجيش اللبناني الخط الزراعي في اتجاه الخط التقني وفرضوا طوقاً امنياً في المكان وأطلقوا النار في الهواء لإخلاء الشبان من قرب السياج إلى الساحة حيث تجمعوا هناك لوقت إضافي، قبل أن يتفرقوا. وكانت المسيرة انطلقت منذ الصباح، وشارك فيها ألوف الفلسطينيين واللبنانيين الذين استقلوا باصات نقل كبيرة بعضها يحمل لوحات سورية استأجروها لهذه المناسبة. ومع وصول المشاركين إلى ساحة مارون الراس رفعوا الأعلام الفلسطينية ولوحوا بها، وأطلقوا الهتافات المؤيدة لحق العودة، ومنها هتاف: «الشعب يريد العودة إلى فلسطين». وبعد تأدية المشاركين الصلاة، رددوا دعاء مؤثراً «إلى الله ليعيدنا إلى بيوتنا». ثم ارتفع التصفيق مع رفع علم فلسطيني كبير، وهتافات: «الله أكبر كبيرا» و «بالروح بالدم نفديك يا فلسطين» و «خيبر يا يهود، جيش محمد بدأ يعود». وعلى وقع الهتافات الحماسية، والنشيد الفلسطيني، انطلقت مجموعة من الشبان في اتجاه الشريط الحدودي. وتدخل الجيش اللبناني فأطلق النار في الهواء أكثر من مرة، لتفريق الشبان الذين رفضوا الامتثال إلى دعوته ودعوة الجهة المنظمة إلى الابتعاد من السياج بسبب وجود ألغام في المنطقة الفاصلة بين جانبي الحدود. وتحدث في مهرجان خطابي في البلدة عضو اللجنة التحضيرية للمسيرة الدكتور عبدالملك سكرية فقال: «تسمعون العالم صدى أصواتكم وإصراركم على العودة الى دياركم في فلسطين». واعتبر ان اسرائيل انتصرت على العرب بسبب أمراضهم وعجزهم عن تحديد العدو ومعرفة الصديق. وردد ما سبق ان قاله الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله من ان زمن الهزائم ولى وأن إسرائيل أعجز من أن تشن حرباً. كما تحدث باسم اللجنة التحضيرية ايضاً سيف الدين موعد عن الانتصارات على الكيان الصهيوني في حربي لبنان وغزة وصولاً الى الثورات العربية، وقال: «جيلنا يجب ان يكون جيل العودة وتحرير كل فلسطين». وألقى كلمة لجنة دعم المقاومة الشيخ عبدالله حلاق داعياً الى إعطاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم لأنها تساعدهم على العودة. وطالب قادة الشعب الفلسطيني في لبنان بتحمّل مسؤولياتهم لإيجاد مرجعية سياسية له في لبنان لمتابعة ملفاتهم مع السلطة. وبارك المصالحة الفلسطينية، داعياً الى استمرار شعار المقاومة وإلى جبهة إسلامية - مسيحية لمواجهة الصهيونية كرد على الفتن الطائفية في العالم العربي، وكذلك توجيه سلاح المقاومة للسنّة والشيعة في العالم الإسلامي. وهتف المتظاهرون سوية: «الشعب يريد العودة الى فلسطين». ثم تحدث يوسف احمد من اللجنة التحضيرية قائلاً: «لا تحلموا ايها الصهاينة بأن يقبل أي طفل فلسطيني بوطن غير فلسطين». واختتمت كلمة رامي قمر باسم الشباب اللبناني المهرجان الخطابي. ومع انتهاء الكلمات، اطلق المشاركون بالونات بالألوان الحمراء والبيضاء والخضراء تحمل علم فلسطين في اتجاه الجانب الآخر من الحدود. ثم انضم إلى الشبان الموجودين قرب السياج، آخرون اجتازوا الشريط الزراعي ودخلوا إلى منطقة الشريط التقني على رغم محاولة منظمي المسيرة والجيش منعهم من ذلك والطلب منهم العودة إلى ساحة البلدة، فتابعوا رشق الحجارة وعلقوا أعلام فلسطين على السياج، وحرقوا علم إسرائيل. في حين حلقت طائرات مروحية إسرائيلية في الأجواء واستقدمت القوات الإسرائيلية دبابات ميركافا وسيارات هامر تمركزت في البساتين مقابل الشبان وبدأت بإطلاق الدخان في اتجاههم. ولم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ القناصة الإسرائيليون بإطلاق النار في اتجاه الشبان، فسقط ثلاثة منهم في الدقائق الأولى، احدهم أصيب برصاصة في الصدر وآخر في البطن وآخر في الرأس. وفي ظل عدم وجود سيارات إسعاف، نقل الجيش المصابين بآلياته، إلى أن وصلت سيارات الإسعاف والدفاع المدني، ونقلت الجرحى إلى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل. وتوالى إطلاق الرصاص الإسرائيلي على المتظاهرين العزل فأصاب اكثر من مئة شاب إصابات عشرة منهم قاتلة. وصدر عن قيادة الجيش - مديرية التوجيه البيان الآتي: «على رغم التدابير المشددة التي اتخذتها وحدات الجيش اللبناني في منطقة مارون الراس لمواكبة تجمع المحتشدين لمناسبة يوم النكبة، أقدمت قوات العدو الإسرائيلي على إطلاق النار باتجاه التجمع المذكور مما أدى إلى استشهاد عشرة من المحتشدين وإصابة مئة واثني عشر آخرين بجروح مختلفة، بعضهم في حالة الخطر، نقلوا إلى المستشفيات المجاورة. وقد وضعت قوى الجيش في حال استنفار قصوى، كما قامت بإجراء التنسيق اللازم مع القوات الدولية لمنع تمادي العدو باستهداف الجموع وانتهاكه السيادة اللبنانية». وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن من الشهداء الذين سقطوا على الشريط الحدودي في بلدة مارون الراس هم: عماد أبو شقرا، محمد الموسى، محمد أبو شلحة، محمد سمير صالح، صالح أبو رشيد ومحمد سمير الفندي. وذكر مندوب الوكالة في صور أن عدداً من الجرحى الفلسطينيين نقلوا إلى المستشفى اللبناني - الإيطالي وهم: ياسر خطاب، مصطفى قاسم الخطيب، عيسى الحسن ومحمد قاسم. فيما نقل عدد آخر من الجرحى إلى مستشفى حيرام هم: سليمان عبد الكريم، محمد عبيد، صالح أبو رشيد، غادة الشاويش، منى سلمان، ميلاد مجذوب، سامر الميعاري. كذلك نقل إلى مستشفى جبل عامل في صور ثمانية جرحى. وأفاد التنظيم الشعبي الناصري أن اثنين من عناصره أصيبا هما رامي قدورة ومحمد المزين. سليمان والحريري وميقاتي و«حزب الله» يدينون ودان الرئيس اللبناني ميشال سليمان «الممارسات الاسرائيلية الاجرامية ضد المدنيين المسالمين في جنوب لبنان والجولان وفلسطين والتي ادت الى استشهاد عشرات الأبرياء واصابة المئات». وأضاف في بيان ان «هذا التصرف برسم المجتمع الدولي، ولا سيما من خلال قوات «يونيفيل». وتلقى سليمان اتصالاً من أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي اكد وقوف قطر الى جانب لبنان. وكان سليمان تابع مع قائد الجيش العماد جان قهوجي تطورات الأوضاع والتدابير والخطوات التي يتخذها. وأكد رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، في بيان له، أن «من حق الشعب الفلسطيني على أمته العربية وعلى جميع الأمم التي تؤمن بحق الشعوب بالحرية والكرامة وتقرير المصير أن يشعر بالتضامن الكامل مع قضيته المقدسة في هذا اليوم، ذكرى مرور 63 عاماً على نكبة فلسطين». وقال: «حق إخواننا الفلسطينيين بالعودة إلى دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، هو قاعدة أساس من قواعد العمل العربي المشترك، الذي يلتزمه لبنان ويجمع عليه بأطيافه السياسية والوطنية كافة، وهذه مناسبة للتأكيد على هذا الحق، ولمطالبة المجتمع الدولي بالعمل الجاد لتحقيق هذا المطلب وإقامة سلام عادل على أساس المبادرة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من بيروت». وأضاف: «لا يسعنا إلا أن نسجل في هذا اليوم إدانتنا واستنكارنا الشديدين لإمعان إسرائيل في خرق حقوق الإنسان ومواجهة التحركات السلمية للمواطنين العرب في لبنان والجولان وفلسطين بالقتل والإجرام»، مشدداً على أن «لبنان الذي يبقى ملتزماً القرارات الدولية، وبخاصة القرار 1701، يعتبر قيام إسرائيل بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين على حدودنا الجنوبية هو عدوان سافر وغير مقبول»، محملاً «المجتمع الدولي وقوات الأممالمتحدة المنتشرة في الجنوب مسؤولية محاسبة إسرائيل على الجريمة». وأجرى الحريري اتصالات مع كل من رئيس الجمهورية وقائد الجيش لمتابعة التطورات الميدانية في الجنوب والتشاور في الموقف الواجب منها لتوفير مقتضيات السلامة والدفاع عن السيادة الوطنية. واعتبر الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي ان «العدوان الاسرائيلي المتمادي على لبنان يؤكد ان هذا العدو لا يمكن ان يعيش ويستمر على ارض فلسطين الا بالقتل والتهجير وتهديد المحيط، وان وهم الاطمئنان اليه ليس سوى سراب». ودعا الفلسطينيين الى تعزيز وحدتهم واللبنانيين الى التنبه للخطر الاسرائيلي وتقديم الوحدة الوطنية. وحيا «حزب الله» ارواح الشهداء والجرحى والشعب الفلسطيني. ودان «الهمجية الاسرائيلية»، معتبراً ان «الجرائم الدموية الاسرائيلية تضع المجتمع الدولي امام مسؤولياته». واعتبر الموفد الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامز ان «ما حصل يعتبر من اخطر الحوادث على الخط الازرق منذ عام 2006»، داعيا جميع الاطراف الى ممارسة اقصى درجات ضبط النفس واحترام القرار 1701. وأصدر القائد العام ل «يونيفيل» اللواء البرتو اسارتا بياناً شرح فيه أنه «في ضوء الالتفاتة الخطرة للأحداث قرب مارون الراس اليوم والتي أدت إلى خسائر مأسوية في الأرواح. قمت شخصياً بالاتصال بقيادات الأطراف كافة ودعوت الجميع إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس للحيلولة دون وقوع إصابات أخرى». وأضاف: «هناك حاجة ضرورية لاتخاذ خطوات أمنية ملموسة على الأرض وأنا كلي ثقة بأن جهودنا ستساعد على عودة الهدوء ومنع حصول أي حوادث أخرى على طول الخط الأزرق، واليونيفيل تحافظ على تواجد قواتها على الأرض لدعم القوات المسلحة اللبنانية وفقاً لولايتها المنصوص عليها في القرار 1701»، مؤكداً أن القوات الدولية «على أهبة الاستعداد لتقديم أي مساعدة تطلبها القوات المسلحة اللبنانية في إطار التعاون والتنسيق معها».