الآن بعد أن اكتشفت وزارة التعليم العالي زيف التصنيفات العالمية للجامعات، وأنَّ استئثار معيار البحث بوزن كبير في التصنيف خطأ أكاديمي فادح ويجب «التَحَفُّظ» عليه، كيف ستقول الوزارة عام 2013، وهو العام الذي بشَّرنا به مدير جامعة الملك سعود (صحيفة «الوطن» في 7 - 5 -2011) بأنَّه تاريخ بداية تسيير جامعة الملك سعود لسيارة «غزال – 1» على الشوارع السعودية بسعر 35 - 45 ألف ريال؟ هل أيضاً صَدَّقت وزارة التعليم العالي هذا الخبر، أو بالأحرى هل تؤيد مغامرة الهدر المالي المؤلمة لجامعة الملك سعود؟ هل يغيب عن الوزارة معاناة صناعة السيارات في العالم أجمع، وعلى رأسها عملاق صناعة السيارات «شركة جي إم سي الأميركية» التي تجاوز عمرها 100 عام، وموظفوها نصف مليون، ومع ذلك تَدَخَّلت الحكومة الأميركية قبل عامين لإنقاذها من الإفلاس بإقراضها أكثر من 50 بليون دولار!؟ أم أنَّ وزارة التعليم العالي ستتحفَّظ أيضاً على مغامرة جامعة الملك سعود في صناعة سيارة «غزال – 1»، ولكن بعد فوات الأوان؟! ففي منتصف حزيران (يونيو) 2010 قدَّمت جامعة الملك سعود سيارة أسمتها «غزال – 1»، وهي في واقع الأمر المؤلم لا تعدو عن كونها سيارة مرسيدس جيب «طراز G عملت له الجامعة قليل من «المكياج» على الهيكل الخارجي بمساعدة شركة ماجنا ستاير الإيطالية، وقالت لنا إنَّ «55» مهندساً سعودياً «صنعوا» هذه السيارة؟! بل وأكَّدت أنها ستصنع «غزال – 1» محلياً بأيدٍ فنية سعودية وتبيعها بسعر 35 - 45 ألف ريال عام 2013، ليفاجأ الوطن والمواطن بعد ذلك بطوفان إعلامي شَمَلَ غالبية الصحف السعودية بإعلانات مدفوعة الثمن عن هذا الحدث العظيم، واستضافت وسائل الإعلام السعودية المقروءة والمسموعة والمرئية «خبراء» يتحدثون عن المستقبل العظيم للمملكة في صناعة السيارات، وهللوا وباركوا للجامعة العملاقة شجاعتها «مقارنة بوكلاء السيارات بالمملكة؟!» في تَزعُّم عملية توطين صناعة السيارات في المملكة، بل وبأرخص الأسعار العالمية؟! السؤال المؤلِم: هل يُعقل أن تصنع جامعة سعودية «أو حتى أشهر جامعة أميركية» سيارة بمواصفات سيارة مرسيدس قيمتها أكثر من 400 ألف ريال وتبيعها بهذا السعر المُضحِك البالغ أقل من 10% من قيمتها الأساسية؟! تُرى ما القاعدة الصناعية العظيمة والأيدي الفنية السعودية التي توجد في المملكة بحيث تستطيع جامعة الملك سعود خلال ثلاث سنوات صناعة سيارة بمواصفات مرسيدس وتبيعها بسعر خمس إطارات «جنوط» مرسيدس؟! بعد الطوفان الإعلامي الذي عَقِبَ ولادة سيارة «غزال – 1»، أعلنت جامعة الملك سعود في 25 – 12 - 2010 إنشاء شركة غزال لصناعة السيارات وقطع الغيار برأسمال 500 مليون دولار تملك الجامعة 15% من الشركة، في حين يملك رجل الأعمال محمد حسين العمودي 55% وشركة ديجم الكورية لصناعة السيارات 30%، وهذه الأخيرة لم نسمع بها قبل هذا الإعلان، بل إنَّ عملاءها «من واقع موقعها على الإنترنت» لا يوجد منهم شركة سيارات واحدة؟! وليت الأمر توقف عند جامعة الملك سعود وصرفها المال العام في مغامرات وفرقعات إعلامية تتلبس بالثوب الأكاديمي البحثي، بل دخلت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية على خشبة مسرح صناعة السيارات تحت مُسمى «البرنامج الوطني لتقنية السيارات»، الذي يهدف كما يقول مدير البرنامج محمد الحسيني إلى «نقل تقنية صناعة السيارات إلى المملكة». ولكن هل تتخيلون كيف تفتَّق ذهن إداريي وعلماء مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتحقيق سرعة نقل صناعة السيارات إلى المملكة؟! بلا شك، فقد كانت المهمة عظيمة وشاقة جداً، حيث تمثّلت في استيراد سيارة من ماليزيا وعمل بعض «الماكياج» على الهيكل الخارجي، ثم أصدرت لها شهادة ميلاد تحت اسم «أصيلة»، وقالت إن كلفتها 50 ألف ريال؟! أترك لكم إصدار حكمكم على عبقرية الفكر والرؤية الإدارية لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية التي أقرت وموّلت مثل هذا المشروع الوطني العملاق! إنَّ أصدق شيء يصف مسرحية سيارة «غزال – 1» وسيارة «أصيلة»، ومن قبلها القفزات البهلوانية على تصنيفات الجامعات، مَثَل غربي يقول: «إننا نرى ما نسمعه».. نعم. سمعنا عبر حملات وكرنفالات إعلامية إعلانية ضخمة مستمرة ومكلفة مالياً صرفتها الجامعة من المال العام أو من أوقافها المعلَنة، بأن جامعة الملك سعود تربّعت على المركز الأول على جامعات العالم العربي والإسلامي، ورأينا «صدّقنا!»، لنُفاجأ بتوصيات مؤتمر رعته وزارة التعليم العالي تتحفَظ على أنظمة تصنيف الجامعات المعتمدة على البحث، ولكن ليس قبل أن تبذّر الجامعة ملايين الريالات على تحقيق هذا الهدف الهُلامي. ولا محالة ستتكرر المفاجأة بعد عامين عندما تفشل جامعة الملك سعود في صناعة توأم لسيارة «غزال – 1» التي عرضتها لنا قبل عام وتبيعها بسعر 35 - 45 ألف ريال، كما تقول حملاتها الإعلانية المستمرة في الصحف السعودية. إنّ أكبر مغامرة جنونية تقوم بها جامعة الملك سعود حالياً هي اندفاعها وإصرارها على تصنيع سيارة أسمتها «غزال – 1» بل إن مجرد الحديث عن تصنيع جامعة - أي جامعة كانت - لسيارة يُصيب بالغثيان الشديد أي شخص لديه اطلاع شبه بسيط على وضع صناعة السيارات في العالم، وذلك عندما يقرأ ويسمع عن شبه إفلاس عمالقة شركات السيارات العالمية من جي إم سي وفورد وكرايسلر (التي اشترتها شركة فيات الإيطالية)، والصعوبات الفنية التي واجهتها شركة تويوتا العملاقة، ثم يقرأ عن مغامرة جنونية تقوم بها جامعة الملك سعود لصرف مئات الملايين من الريالات من المال العام لصناعة سيارة لا تملك حتى أدنى عوامل النجاح بأي معيار اقتصادي؟! إنَّ مجرد تحديد تاريخ لسير هذه السيارة الخرافية على طرقات السعودية 2013 هو في حقيقته استخفاف بعقول السعوديين كافة، خصوصاً إذا ما علمنا أنَّ جامعة الملك سعود حتى الآن لم تنته من دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، كما قال بذلك مدير الجامعة (صحيفة «الوطن» 4 – 5 – 2011). تُرى متى ستقوم جامعتنا العملاقة بإنشاء مصنع سيارة «غزال – 1» وتوظيف آلاف الفنيين وتدريبهم لينتجوا «غزال – 1» بنهاية عام 2013؟! أم أنَّ الجامعة تعتقد بأنَّ عملية إنشاء مصنع سيارات وتوظيف آلاف الفنيين السعوديين أسهل من مشروع إنشاء فرن تميس وتعيين خباز وافد؟! وتطوعاً منا في مساعدة الجامعة العملاقة لسرعة تحقيق حلمها بصناعة وتسيير سيارة «غزال – 1» قبل نهاية عام 2013، وبالتالي تجنيبها الإحراج العالمي، نقترح عليها شراء إحدى شركات السيارات الشهيرة التالية المعروضة للبيع: شركة سيارات «ساب SAAB» السويدية التي بدأت بصناعة السيارات عام 1947 المملوكة لشركة «جي إم سي» الأميركية حتى باعتها عام 2010 بأقل من 350 مليون دولار، لا تزال تنازع بين الحياة والموت بإنتاج أقل من 30 ألف سيارة سنوياً، على رغم إنتاجها لأكثر من 130 ألف سيارة في إحدى السنوات؛ وبحاجة إلى مشتر ينقذها من ورطتها. شركة سيارات «همر» الرياضية المملوكة لشركة «جي إم سي» الأميركية، إذ انسحبت شركة صينية عَرَضت 150 مليون دولار لشرائها، مما اضطر شركة «جي إم سي» إلى إغلاق المصنع عام 2009! شركة سيارات «ساترن SATURN» الأميركية المملوكة لشركة «جي إم سي»، التي قررت إغلاق مصانعها العام الماضي لعدم تَقَدُّم أي مشتر، بعد أن أنتجت نحو ثلاثة ملايين سيارة خلال 20 سنة؟! إعلام أم إعلان؟! ولكن مهلاً، لا يمكن توجيه اللوم إلى الجامعات السعودية ووزارة التعليم العالي بمفردهم على تغاضيهم عن سلبيات التصنيفات الدولية للجامعات و»الاعتماد الأكاديمي» والتي لم تُكتَشف إلاَّ في المؤتمر الدولي للتعليم العالي، فقد شارَكت الكثير من الصحف السعودية في هذا التعتيم الإعلامي لصدقية التصنيفات ومؤسسات الاعتماد الأكاديمي «وإمكان صناعة سيارة غزال - 1»، وأنها بالفعل لا تعكس مستوى ومركز الجامعة الحقيقي من جميع الجوانب، وذلك من خلال نشر إعلانات الجامعات السعودية، خصوصاً جامعة الملك سعود في هذا الجانب كأنها تحقيقات أو أخبار صحافية موَثَّقة، وليس إعلاناً مدفوع القيمة من الجامعة للصحيفة؛ وإلاَّ فهل يُعقل خروج غالبية «أخبار» جامعة الملك سعود منذ أربع سنوات تقريباً على صفحة أو صفحتين في غالبية الصحف السعودية بنفس الصياغة والصور والإخراج؟ أليس هذا هو المكياج الإعلامي، وذلك حينما تنشر الصحيفة إعلاناً مدفوع القيمة على أنَّه خبر أو تغطية صحافية دون أن تشير إلى ذلك؟ وآخره كان في أحد هذه الصُحُف الأسبوع الماضي حينما نشرت صفحة كاملة عن زيارة رئيس مجلس الشورى للخطوط الجوية العربية السعودية وكأنه خبر أو متابعة صحافية، في حين أنَّه إعلان مدفوع القيمة، بدلالة اختلاف «بنط» الأحرف الذي كُتِبَ به الإعلان عن بقية الصفحات؟! الشجاعة؟! خلاصة القول إنَّ مدير جامعة الملك سعود الدكتور عبدالله العثمان له إنجازات رائعة في إدارة دفة أكبر جامعة سعودية لا يُنكرها إلاَّ جاحد، ولكن في الوقت نفسه وَقَعَ خلال الأربع سنوات الماضية في أخطاء فادحة لا يُجَمِّلها أو يَسكُت عنها إلاَّ من يُريد به السوء، أو أنَّه مستفيد شخصياً من هذه الأخطاء. فليس من العيب أن ينسحب المدير من مغامرة فاشلة من بدايتها كمشروع صناعة الجامعة لسيارة «غزال – 1»، ولن يُقلِّل من إنجازاته لو توقف عن الجري المحموم وراء تصنيفات الجامعات والاعتماد الأكاديمي، وكذلك لن تفقد إنجازاته وهَجَها لو أنَّه رَشدَ من حُمَّى إنشاء الكراسي البحثية التي بدأ يختفي بعضها لسبب أو لآخر؛ بل على العكس تماماً سيجد مزيداً من الاحترام والتقدير والثناء ممن يحترمون شخصه ويُكبِرون جرأَته وإقدامه الإداري الأكاديمي. فالشجاعة في الانسحاب والاعتراف بالخطأ لا يقوى عليهما إلاَّ النادر من القياديين، والمدير الدكتور عبدالله العثمان أحد هؤلاء. * أكاديمي وعضو مجلس الشورى (سابقاً).