بدا أمس ان الوضع في اليمن عاد الى نقطة البداية بعد «نعي» المعارضة المبادرة الخليجية عشية وصول الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني الى صنعاء، وتصعيد الرئيس علي عبدالله صالح لهجته إزاء المطالبين برحيله، في وقت انتشرت قوات الأمن والجيش بشكل غير مسبوق في سائر المدن والمحافظات، واستعرض كل من الطرفين قوته بحشد مئات الآلاف من انصاره كما في كل يوم جمعة منذ اندلاع الأزمة منتصف شباط (فبراير) الماضي. وتوعد الرئيس صالح أحزاب المعارضة ب «رد شاف» اذا لم تتوقف مهاجمة المقرات الرسمية، وقال «نقول للقاء المشترك وحلفائه كفاكم لعباً بالنار، وإلا فأن جماهير شعبنا في كل القرى والعزل والأحياء والى جانبهم المؤسسة الأمنية والعسكرية البطلة لن يبقوا مكتوفي الأيدي وسيردون الرد الشافي على من يمارسون أعمال التخريب والاعتداء على المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة والتي كان آخرها ما حدث في يوم الأربعاء من قتل للنفس المحرمة أثناء محاولة عناصر تخريبية للمشترك اقتحام مبنيي مجلس الوزراء وإذاعة صنعاء وما سبقها في الأسابيع الماضية من اعتداء على المعتصمين من الشباب في مدينة الثورة الرياضية». ودعا صالح في خطاب أمام مئات الآلاف من أنصاره ومؤيديه بعد صلاة «جمعة الوحدة» في ميدان السبعين قادة المعارضة الى «النأي بأحزابهم عن الفوضى والعنف وتحكيم العقل والمنطق والعودة إلى الحوار البناء وتحت أي مظلة وفي أي مكان». واضاف «ندعو كل أبناء الوطن إلى الاصطفاف الوطني لمواجهة كل أنواع التحديات الاقتصادية والسياسية جراء أعمال التخريب التي لا يمكن التغاضي عنها، فما بنيناه خلال 32 عاما يتم تخريبه في ثلاثة أشهر». وختم بالقول «شعبنا سيضطر إلى حماية مؤسساته ومدنه وقراه ومساكنه بكل ما أوتي من قوة وسنواجه التحدي بالتحدي، ومن يريد السلطة فعليه أن يتوجه إلى صناديق الاقتراع». وسارع الناطق باسم تكتل «اللقاء المشترك» المعارض محمد قحطان الى اعتبار خطاب صالح «إعلان حرب»، وقال ان المبادرة الخليجية «باتت في حكم الميتة، وقطر اصدرت شهادة الوفاة، والشهادة لا تصنع الوفاة بل تبلغ عنها» متوقعا تصعيد «الثورة السلمية» حتى اسقاط النظام ومحاكمة الرئيس. وكان حزب «المؤتمر الشعبي العام» الحاكم رحب بإعلان «دولة قطر العظمى» إنسحابها من الوساطة الخليجية والمبادرة المنبثقة عنها، مؤكداً في تصريح لمصدر رسمي «إن اليمن على استعداد للتعامل الايجابي مع المبادرة الخليجية بدون مشاركة دولة قطر الضالعة في التآمر والتورط في ما يجري من أحداث ليس في اليمن فحسب بل والمنطقة العربية عموما». وقال قيادي في «المؤتمر» ل «الحياة» ان الدوحة «اكدت بانسحابها تورطها في زعزعة استقرار اليمن منذ بداية الازمة، ونحن لن نسكت عن العبث القطري بأمننا». ووسط انتشار كثيف لقوات الأمن والجيش، أحيت المعارضة امس «جمعة الحسم» في شارع الستين بصنعاء بمشاركة مئات الآلاف من المتظاهرين في اطار تصعيد التحرك ضد النظام الذي وضعته «اللجنة التنظيمية لائتلا شباب الثورة»، وندد المشاركون ب «مجازر صالح بحق المعتصمين والمتحجين سلميا» ورددوا هتافات مناهضة للحكم ومطالبة برحيل الرئيس وتعهدوا بالمضي في ثورتهم حتى تحقيق اهدافها. لكن خلافاً برز بين «شباب الثورة» وقيادات في «التجمع اليمني للاصلاح» حملها هؤلاء مسؤولية القرار المرتجل ب «الزحف على المقرات الرسمية» الاربعاء الماضي، ما ادى الى سقوط 12 قتيلا برصاص قوات الأمن. وقال معتصمون في «ساحة التغيير» امام جامعة صنعاء ان القياديين في «الاصلاح» توكل كرمان وخالد الآنسي وجها الدعوة الى احتلال المقرات الحكومية بشكل مرتجل بدون التنسيق مع «اللجنة التنظيمية» ما ادى الى خسائر فادحة في الارواح من دون تحقيق الهدف المرجو من الخطوة. وعلى الصعيد الميداني قتل أمس ثلاثة متظاهرين في محافظة إب (وسط البلاد) وأصيب العشرات إثر إطلاق قوات الامن النار على تظاهرة تلت تشييع أحد قتلى المواجهات الاخيرة. وفي تعز(جنوب صنعاء) أصيب ما لا يقل عن أربعة متظاهرين بالرصاص الحي، عندما أطلقت قوات الأمن النار على حشد كبير كان متوجهاً إلى «ساحة الحرية» بوسط المدينة. وفي هذا الاطار، نقلت «وكالة الانباء اليمنية» امس عن مصدر امني قوله إن «الأجهزة المختلفة ستتخذ خطوات صارمة لتعزيز الإجراءات الأمنية وإعادة هيبة الدولة في مختلف المناطق اليمنية». واشار الى «خطة أمنية سيتم تنفيذها بالتعاون والتنسيق بين مختلف الأجهزة لإعادة الانتشار في المناطق التي تشهد اضطرابات والدفع بطلاب الكليات العسكرية والأمنية للنزول إلى الشوارع للمساهمة في تعزيز الأمن والاستقرار وحماية السلم الاجتماعي». وأوضح أن قوات الامن «لن تتردد في استخدام القوة إذا ما تمادت العناصر الخارجة عن القانون والشرعية الدستورية في ارتكاب أعمال تمس أمن الوطن والمواطن باعتبار ذلك واجباً وطنياً يحتم عليها ردع كل من تسول له نفسه محاولة إقلاق السكينة العامة».