شدد الرئيس اللبناني ميشال سليمان على احترام لبنان «للاستحقاقات الدستورية وحصول تداول دوري للسلطة ومشاركة جميع الطوائف في إدارة الشأن العام على قاعدة المناصفة والتوافق، وهو وفقاً لما حدده الدستور جمهورية ديموقراطية برلمانية تقوم على احترام الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، والشعب فيه مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، لكنه لفت الى أن «رغم ذلك لم ينجح اللبنانيون في ترجمة هذه الحريات ممارسة ديموقراطية صحيحة وما زالت تعترض مسيرة الدولة عثرات ومعوقات». وكان سليمان يتحدث خلال افتتاح مبنى «الابتكار والرياضة» التابع لجامعة القديس يوسف، في حضور المفوض المسؤول عن الاقتصاد الداخلي والخدمات في الاتحاد الأوروبي ميشال بارنييه، الى جانب رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي وحشد من الشخصيات السياسية المختلفة والسفير الفرنسي لدى لبنان دوني بييتون والهيئة الإدارية للجامعة. وحدد سليمان أبرز تجليات تلك المعوقات خلال السنوات الثلاث الماضية: «استهلاك أكثر من تسعة أشهر في عمليات تشكيل ثلاث حكومات متتالية، وباتت الصعوبة في تأليف الحكومة الحالية تشكل عبئاً إضافياً ضاغطاً على أكثر من صعيد، وبروز إشكاليات دستورية من ضمن النظام لم تسمح لرئيس الدولة في غياب الصلاحيات الفاعلة بأخذ القرارات والأمور باتجاه الحسم الذي قد يضطر إليه بصفته الحاكم والحَكَم، إضافة للتناقضات والتجاذبات التي كانت قائمة ضمن الحكومة الواحدة بفعل الانقسام السياسي وهذا يفيد بأن سوء استعمال الديموقراطية هو كغيابها ويساوي في نتائجه السلبية ما تتسبب به الأنظمة غير الديموقراطية من ظلم وإحباط». وأضاف: «لذلك فإن لا خيار لنا سوى المباشرة بحوار شامل وعميق، ليس فقط حول استراتيجية وطنية للدفاع عن لبنان وسيادته وثرواته الطبيعية، بل كذلك حول كيفية المضي قدماً في تنفيذ وثيقة الوفاق الوطني في جميع بنودها وفي كيفية تطوير أو توضيح صيغة الحكم التي التزمنا بها منذ عام 1943 بما يتوافق مع مقتضيات الحداثة والحكم الرشيد، وصولاً الى دولة المواطنة الضامنة للاستقرار الدائم الذي ما برحنا ننشده منذ الاستقلال». وقال: «هذا يتطلب من القادة والعائلات الروحية المختلفة تجديد الإرادة السياسية المشتركة بإنجاح النموذج اللبناني وصيغة العيش الواحد وليس الاكتفاء بمجرد العمل على تأمين ما يؤول لهم من مواقع وحصص». قانون الانتخاب وشدد على ضرورة «المباشرة فور تشكيل الحكومة الجديدة بتنفيذ المشاريع الإنمائية الأساسية التي طال انتظارها وإقرار قانون انتخاب يعبّر عن إرادة الشعب بصورة كاملة والانتهاء من إقرار مشروع قانون اللامركزية الإدارية وتعزيز آليات المساءلة والمحاسبة والتخطيط الطويل المدى لقطاعات الخدمات والإنتاج». وأشار الى أنه «الى جانب الدور الذي ستضطلع به الهيئة المستقلة للانتخابات، التي نطمح إلى إنشائها، كما هو معتمد في دول عدة، فإن العملية الانتخابية في مختلف مراحلها ستكون موضع اهتمام ومتابعة وزير الداخلية الذي من المفترض أن يكون على مسافة واحدة من جميع الأطراف بعيداً من منطق الغلبة والمحاصصة تمكيناً من تأمين حرية ونزاهة هذه الانتخابات، وكان لنا في هذه الوزارة تجربة ناجحة نعتز بها ويتوجب علينا الاقتداء بها». وتوقف عند عيد التحرير الذي يصادف في 25 الجاري قائلاً: «لبنان خرج من سنوات طويلة من العنف والحروب المدمرة بفعل ما حيك له من مؤامرات وما وقع فيه من أخطاء، لن يعود الى دائرة الاقتتال ولن يقع في شركه من جديد، وذلك بفضل وعي أبنائه والتفافهم حول الدولة القادرة والعادلة والتزامهم بالثوابت الوطنية ونهج الحوار والاعتدال». وتوجه الى شباب لبنان «الذي تمكن من تحرير معظم أراضيه من الاحتلال الإسرائيلي كي يساهم باستمرار في بناء مجمل قدرات الوطن وتحقيق عزته واستقراره وللشباب مسؤولية خاصة في هذا المجال، لا سيما على صعيد الجامعة بما يتمتعون به من علم ومنطق وحيوية ونزعة للحداثة والإصلاح لإثبات مقدرتهم على النقاش الموضوعي البناء وعلى صياغة اقتراحات حلول مشتركة لما يعانيه لبنان من أزمات حكم أو ما يواجهه من ثغرات نظام». قمة بكركي معبرة وتوقف عند القمة المسيحية - الإسلامية التي عقدت في بكركي قائلاً إنها «عبرت في جوهرها ورمزيتها عن الروح الحقيقية التي يجب أن ترعى علاقة العائلات الروحية اللبنانية في ما بينها، وتؤازر في الوقت نفسه كل جهد هادف لتعزيز نهج الحوار ورسالة التآخي والعيش المشترك التي يتميز بها لبنان في وجه ما يتنامى في الشرق والغرب من تشنجات وعصبيات ورفض للتعددية الثقافية والرأي الآخر، وما الاعتداء الآثم على دور العبادة سوى مظهر من مظاهر هذا التطرف المبني على الحقد والجهل». وأعرب سليمان عن سروره لأن تكون قمة بكركي خصصت «حيزاً من مداولاتها وبيانها الختامي لشؤون الشباب ودورهم داعية إياهم الى عدم تجربة الانطواء على الذات». وقال: «في الوقت الذي نخشى من تداعيات الأحداث التي تعصف ببعض الدول العربية وما يترافق معها من عنف وإثارة مريبة للنعرات المذهبية والطائفية وزرع لبذور الفتنة، من دواعي ارتياحنا أن تسير المساعي الإصلاحية في هذه الدول التي نتمنى لها الاستقرار والهناء، باتجاه إقرار تشريعات وقوانين سبق للبنان أن اعتمدها منذ إنشائه كدولة». التوافق يحفظ حقوق الجميع وكان سليمان اكد أن «لبنان يتشارك مع الدول الديموقراطية، وفي طليعتها فرنسا، مجموعة من القيم الإنسانية كالديموقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة والعدالة والمساواة ونبذ التعصب والارهاب»، لافتاً إلى أن «لبنان يطبّق ديموقراطية فريدة ونموذجية في العالم هي الديموقراطية التوافقيّة التي تحفظ من خلال الدستور حقوق الجميع في المشاركة في إدارة الشأن السياسي». وقال سليمان امام وفد مشترك من نقابتي محامي بيروت برئاسة النقيبة أمل حداد وباريس برئاسة النقيب جان كاستولان، أن «لبنان ناضل كثيراً للحفاظ على نظامه الديموقراطي التوافقي، وإنجاح هذه التجربة الفريدة يعطي النموذج والمثال الحقيقي عن حوار الحضارات والتنوع الثقافي وسط ما يشهده العالم اليوم والمنطقة خصوصاً من صراعات». وزارت بعبدا المنسّقة من أجل أوروبا في البرلمان الأوروبي كاترين فيرلينغ مع السفير البابوي لدى لبنان غبريال كاتشا، وأبلغت رئيس الجمهورية اهتمام البرلمان الأوروبي بمسيحيي المشرق والخطوات التي تعتزم أوروبا القيام بها على هذا الصعيد.