يعرف الكثيرون أن أصل عبارة «الحكاية فيها إنَّ»، يرجع إلى قصة علي بن منقذ، الذي هرب من حلب خشية أن يبطش به حاكمها محمود بن مرداس لخلاف جرى بينهما، فأوعز الحاكم إلى كاتبه أن يكتب إلى ابن منقذ رسالة يطمئنه فيها ويستدعيه للرجوع، ولكن الكاتب شعر بنية الشر، فكتب له رسالة عادية جداً، أورد في نهايتها «إنّ شاء الله تعالى» بتشديد النون، فأدرك ابن منقذ أن الكاتب يحذره حينما شدد حرف النون، ويذكره بقول الله تعالى: «إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ». فرد على رسالة الحاكم برسالة عادية يشكر أفضاله ويطمئنه على ثقته الشديدة به، وختمها بعبارة: «إنّا الخادم المقر بالأنعام». ففطن الكاتب إلى أن ابن منقذ يطلب منه التنبه إلى قوله تعالى: «إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا». في حياتنا كثير من الحكايات اللي فيها «إنّ»، مع الفارق أنها لا ولن تصل للحد أعلاه من نوايا البطش، ولكن استخدامنا للكلمة للتورية أو الإيماء إلى ما لا نعرفه على وجه الدقة، أو ما نعرفه ولا نستطيع قوله خشية العقاب القانوني، أو الاجتماعي، أو حتى خشية عدم يقيننا الكامل لأن الموضوع «مجرد إحساس» لا دليل عليه. أشهر «الإنات» الاجتماعية هي التي تقفز الى ذهن ومن ثم لسان الزوجة «النصوف»، عندما يبدأ أبو عيالها في الاهتمام بمظهره، فلا ترى في الأفق الا امرأة أخرى، بينما الرجل «يا حرام» اكتشف أهمية المظهر في عمله وعلاقاته العملية، والغريب ان غالبية الزوجات هن من يلفتن نظر الرجل إلى حكاية المرأة الأخرى، فيبدأ كلما وصله كشف الحساب بالتساؤل «ليش لأ؟». عندما يكثر احد الأبناء الاحتفاء أكثر من المعتاد، فهو إما سيطلب التأخر عند الخروج مع الأصدقاء، أو انه سيستبدل جهاز «البي بي» أو «الاي فون»، وللتاريخ أسجل لمطلق اسم «الاي فون» إعجاباً خاصاً، فالمقطع الأول من اسمه «آي» لفظة الألم في المحكية العربية، فسعره مؤلم للجيب والدماغ، وكذا سعر صيانته، وحتى ملحقاته. عندما يبدأ رئيس النادي في انتقاد مستوى الدعم الذي يلقاه من أعضاء الشرف، فهذا يعني انه لن يصرف رواتب اللاعبين المتأخرة والقادمة، وعندما تقرأ اعلاناً للبيع لعدم التفرغ، وتستفسر، فيقول: كان المشروع ناجحاً لكنه سيتفرغ لمشروع آخر، فهذا يعني انه فشل، والمقصود بعبارة عدم التفرغ هي عدم وجود وقت للرد على من استدان منهم، وعلى الموردين العمال الذين لم يتسلموا مستحقاتهم. وعندما يقول لك العقاري «سيمت» بهذا المبلغ من دون أن تسأله، فاعرف انه الرقم الذي يروم إليه، فالعقاري الحقيقي لا يفصح عن «السومة» إلا عند سؤاله من مشتر جاد آخر، ولا يعتد بأي سوم من غير عربون يوحي بالجدية. [email protected]