جدّد الحادث المأسوي للطائرة العملاقة «إرباص» الفرنسية، التي سقطت في المحيط الأطلسي أثناء رحلة بين البرازيل وفرنسا، الاهتمام العام بمخاطر الطيران، وخصوصاً الرحلات الطويلة. فمن المعلوم أن الأجيال الجديدة من الطائرات العملاقة والمتطورة تقنياً أعدّت لتطير لمسافات طويلة من دون توقف. ويفوق الزمن الذي تستطيع البقاء فيه في الأجواء، ما قدرت عليه الأجيال السابقة من طائرات نقل الركاب. وتالياً، فإن الطيران لرحلة تستمر أكثر من 10 ساعات من دون استراحة، بات مرشحاً ليكون من الامور الشائعة كثيراً في المستقبل القريب. بل بدأ كثير من شركات الطيران تطبيقه فعلياً. ويروّج للرحلات الطويلة كجزء من تميّز هذه الشركات، التي تعلن باستمرار عن قدرة طائراتها على السفر من دون توقف في رحلات تنطلق، مثلاً، من الشرق الأوسط لتصل إلى أستراليا أو أميركا. ومن شأن هذا الامر أن يزيد من خطورة الحالات المرضية الشائعة التي تصاحب رحلات الطيران العادي في المسافات القصيرة والمتوسطة. فبحسب بحث لمجموعة من أطباء الطورائ الاميركيين، نشر في مجلة «ذي لانسيت» Lancet The البريطانية الطبية أخيراً، حذر هؤلاء من مجموعة كبيرة من المشاكل الصحية التي سيتعرض لها المسافرون جواً لساعات طويلة. وتشمل قائمة الأمراض الرشح، إنسداد الاذنين، جفاف الأعين، الجلطات القلبية أو الدماغية، التخثّرات الدموية في الأوردة وغيرها. كما قد يؤدي التوتر، الذي يصاب به البعض أثناء الطيران، إلى إنهيار جهازهم الدوري وإنهاك قلوبهم، خصوصاً إذا كانوا ممن لديهم أوعية دموية مسدودة أو مشاكل قلبية أخرى مثل ضعف عضلة القلب. ونصح الاطباء الاميركيون في بحثهم المنشور، بالمساعدة الفورية للذين يعانون التوتر أو من يفقدون تركيزهم اثناء الطيران، او الذين يصابون بنوبات من الإنهيار العصبي. ونصحوا بإعطاء هؤلاء المرضى أدوية مهدئة تعمل بصورة مباشرة، إضافة الى العمل مع طاقم الطائرة والركاب، على تهدئتهم بوضعهم على أرضية الطائرة مع الامساك بكل اعضاء جسدهم ومنعها من الحراك، كي يهدأ المتوتر أو كي تبدأ الأدوية المهدئة بالتفاعل مع جسم المريض. ومن الأمور الاخرى التي حذر منها البحث باعتبارها مرشحة لتصبح من الأمور الشائعة أثناء الرحلات الجوية الطويلة، إنخفاض الضغط داخل الطائرة. إذ من شأن ذلك الإنخفاض أن يولّد عدداً كبيراً من المشاكل للركاب مثل اضطراب التنفس عند من يعانون أمراضاً مزمنة. وأشار البحث إلى أن الطائرات تحلّق عادة على إرتفاع عشرة كيلومترات أثناء الرحلات الجوية الطويلة، كما يتوجب عليها ان تحافظ على الفارق الكبير بين الضغط خارج الطائرة وداخلها. فإذا حدث خلّل في هذا الأمر، فلربما تعرض الذين يملكون تاريخاً من المشاكل القلبية إلى تفاقم مميت في صحتهم. ومن أجل الحدّ من هذا النوع من المشاكل الصحية، شرعت الولاياتالمتحدة منذ العام الماضي، بتطبيق قانون يفرض على شركات الطيران توفير أجهزة التنفس الإصطناعية داخل طائرتها. والمعلوم أن بعض الطائرات الحديثة تحتوي تلك الأجهزة، مثل الإرباص «إيه 380» A380 ، وال «بوينغ» موديل 787، التي لم تطر في رحلات فعلياً لحد الآن. وللتقليل من المشاكل التي يسببها الطيران الطويل لبعض المسافرين، تتشدد بعض شركات الطيران في شأن سفر الحالات المرضية الواضحة. وترفض مثلاً سفر المسافرين الذين يبدو الإنهاك واضحاً عليهم، والذين لا يقدرون مثلاً على المشي المسافة اللازمة للوصول إلى مقاعدهم في الطائرات، وكذلك من يقصرون عن صعود سلم الطائرة. وكذلك تمنع الكثير من شركات الطيران النساء الحوامل ممن تجاوز حملهن الستة والثلاثين أسبوعاً. وحذّر البحث أيضاً من مخاطر انتشار الامراض المعدية أثناء الرحلات الطويلة، ذلك أن الهواء المضغوط الذي يتنفسه الركاب جميعاً، قد يحمل أحياناً الكثير من الفيروسات الخطيرة، مثل فيروس «سارس» الذي أشارت «منظمة الصحة العالمية» إلى أن قرابة ال 37 شخصاً حملوا ذلك الفيروس وسافروا جواً في عامي 2002 و2003، وساهموا في اصابة 29 شخصاً كانوا معهم في تلك الرحلات الجوية.