جردة نهاية 2017 وأوائل العام الجديد تحوي إنجازات وإخفاقات نسائية كثيرة. بعضها ينسب إلى النساء أنفسهن، وبعضها الآخر تجد المرأة نفسها مفعولاً به. وفي المنطقة العربية تحفل الجردة بأحداث كثيرة دارت حول النساء ودارت النساء حولها. فبين عنف مستمر يخصص للمرأة الجزء الأكبر، وقهر لا يتوقّف وكأنه حصري لها، وإصرار على اختزال في الدور الجنسي والإنجابي، ومقاومة للتعامل معها باعتبارها واحداً صحيحاً، تبزغ كذلك جهود ومحاولات ونقاط ضوء تنير عتمة المنطقة وعتمة نسائها المضاعفة. وفي الجردات، لا مجال للتحيّز والمجاملات لا سيما في ظل منطقة هي الأسخن والأبرز في العالم. وهي لا تتفجّر أعمالاً إرهابية وأحداثاً تراجيدية فقط، لكنها أيضاً تتفجّر بشراً ومواليد من دون ضابط أو رابط أو تفكير وتخطيط لما يحمله المستقبل من آفاق وفرص، أو مشكلات وكوارث لهذه الملايين القادمة إلى الحياة. الحياة في المنطقة العربية حياة شابة قلباً وقالباً. لكن ليس كل ما هو شاب إيجابي وبنّاء ويحمل الخير. فأحياناً يكون العكس هو الصحيح. 346 مليون عربي يسكنون هذه المنطقة الساخنة المتفجّرة أحداثاً وحوادث ومواليد. 28 في المئة منهم دون سن ال30 سنة، نصفهم من الإناث. باختصار هناك 90 مليون شابة عربية في سن الإنجاب تستعد أو تلوحّ أو تهدد بضخ مزيد من الصغار إلى منطقة قابعة على صفيح ساخن. ولم تلقَ سخونة الأوضاع في المنطقة العربية بظلال وخيمة على المواليد ومعدّل خروجهم إلى العالم، بل يستمر صراع إخراج مزيد منهم في أوضاع أقل ما يمكن أن توصف به هو إنها مأسوية. 3،3 طفل لكل امرأة عربية نسبة كبيرة بلغة العالم. ويضع هذا المعدّل المرتفع المرأة العربية على قمة هرم الخصوبة العالمي الذي انخفض إلى دون ال 2.5 طفل لكل امرأة في عام 2015. وقد شكّل معدل خصوبة المرأة العربية بالغ الارتفاع في العام المنصرم عبئاً اجتماعياً واقتصادياً حقيقياً في منطقة لا تزال وفيات ما بعد الولادة مرتفعة فيها، وتصل إلى 156 حالة لكل 100 ألف ولادة وفق «صندوق الأممالمتحدة للسكان». وتعدّ نسبة مرتفعة ومرشّحة للزيادة في ظل منطقة تشهد حالات طوارئ إنسانية حادة عدة، وتعاني بلدان عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني. وإذا أضفنا إلى ذلك حقيقة باتت واضحة منذ تفجّر رياح الربيع العربي، فإن تحوّل بلدان في المنطقة إلى ممرات رئيسة للهجرة إلى أوروبا وبقاء هؤلاء الأشخاص ومنهم عائلات شهوراً في إنتظار الرحلة المحفوفة بالأخطار يضاعف خطر الولادات غير المخطط لها والتي لا تحظى بالرعاية الصحية اللازمة لسلامة الأم والمولود. جهود عدة بذلت على مدار العام الماضي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من صحة الأمهات والمواليد الجدد. فقد نشط صندوق الأممالمتحدة للسكان في 20 بلداً عربياً للمساعدة في متطلّبات الصحة الإنجابية، لاسيما في البلدان حيث الصراعات المسلّحة والطوارئ الإنسانية. ففي اليمن، تعاني1،1 مليون امرأة حامل سوء التغذية. وتواجه 2،6 مليون امرأة وفتاة خطر العنف القائم على النوع. وعلى رغم صعوبة الوصول إلى هؤلاء النساء والفتيات، إلا أن مقداراً غير قليل من خدمات الصحة الإنجابية وصل إلى حوالى 440 ألف سيدة. وفي العراق، حصلت نازحات في مخيمات الهاربين من «داعش» في الموصل على مساعدات. وفي سورية، وعلى رغم الأزمة الطاحنة، قدّمت خدمات خاصة بالصحة الإنجابية للنساء والفتيات وكذلك الشبان، فضلاً عن تمكين الشباب والشابات معلوماتياً. ويُعد عدم توفير المعلومات عن تنظيم الأسرة لكثر كما حجبها أو منعها شكلاً من أشكال التعدّي على الحقوق. ويقول مدير صندوق الأممالمتحدة للسكان للمنطقة العربية الدكتور لؤي شبانة أن الجهود تُوجه حالياً لتلبية حاجات الراغبات في تحديد عدد مرات الحمل والمباعدة بينها، كي يتسنى لهن الحصول على خدمات تنظيم الأسرة. كما تقدّم خدمات للحوامل للحفاظ على صحتهن وصحة المواليد بهدف تقليل وفيات ما بعد الولادة التي لا ينبغي أن تستمر في القرن الحالي. ويشير شبانة إلى أن «المرأة القادرة على تخطيط عدد مرات الحمل وأوقاته تتمتع بمزيد من الخيارات على المستوى المهني، وتكون قادرة على اختيار أفضل ما يلائم ظروفها. وحيث تشارك النساء في القوة العاملة بمعدّلات عالية، تقلّ الخصوبة. وفي البلدان ذات معدّلات الخصوبة المرتفعة، تبقى قدرة النساء في الحصول على تعليم أفضل وفي الانضمام إلى القوى العاملة متدنّية». ويعبّر تدنّي وضعية المرأة في المنطقة العربية عن نفسه في العنف الموجّه ضدها بناء على النوع. وعلى رغم إنه عنف شائع في أنحاء العالم بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، لكنه يبقى بارزاً واضحاً وفي أحيان كثيرة حاصلاً على مباركة المجتمع في بلدان ومناطق. فمن زواج الأطفال إلى ختان الإناث إلى ضرب الزوجات والبنات والتحرّش بالإناث وغيرها، تعاني النساء انتهاكات واضحة لحقوقهن ما يمثّل سلباً لفرصهن في حياة صحية وصحيحة. ويذكر أن الأممالمتحدة تهدف إلى إنهاء العنف القائم على النوع بحلول عام 2030. لكن من العنف ما شهد تقليصاً وتطويقاً في العام الماضي. فقد تبنّت تونس قانوناً شاملاً ضد أشكال العنف ضد النساء. كما صدر قانون لتجريم ختان الإناث في مصر. وفي لبنان جرت الجهود لإلغاء قانون «تزوّجي مغتصبك» الشهير، بعد وقت قصير من إلغائه في الأردن. ويعتبر شبانة أن ما سبق نجاحات هي بمثابة لبنات أولى لمجتمعات أكثر مساواة وخطوات على طريق تمييز أقل ضد النساء العربيات. لكنه يستدرك مشيراً إلى أن «تغيير القوانين وتعديلها لا يضمن تحسين الممارسات بالضرورة، لا سيما حين تكون ضارة وجذورها عميقة في المجتمعات. لذا، لن يكون تجريم الختان فعالاً إلا إذا أعلن قادة المجتمعات أنفسهم أنه لم يعد ممكناً التسامح مع مثل هذه الجريمة، وأن أي شخص يستمر في هذه الممارسة سينبذه المجتمع وسيُبلّغ عنه السلطات. ونحن نقدّر حقيقة أنه حتى نهاية 2017، أعلن 172 مجتمعاً تخلّيه عن هذه الممارسة الضارة في خمسة بلدان عربية هي مصر، السودان، الصومال، اليمن وجيبوتي». وبعيداً من بقية ما أنجز أو ما انتهك على صعيد حقوق المرأة العربية، تبقى حقوق الصحة الإنجابية (ما تحقق منها وما غاب) بديهيات إنسانية للنساء والفتيات. وتشير جردة العالم العربي الإنجابية إلى «تفجيرات» مواليد غير مدروسة ولا تحظى بعناية ورعاية في مناطق فجّرتها الحروب والصراعات، ونقاط ضوء على طريق التمكين المعلوماتي والخدمات الصحية. وعسى أن تكون 2018 أكثر أمناً وأقل إنجاباً وأوفر صحة للأم والمولود.