يتيح الاندماج بين علوم النانوتكنولوجي والروبوت والاتصالات الرقمية المتطوّرة، إحداث نقله نوعية في الطب، ربما غيّرت صورته كلياً. فلقرون طويلة، ظل الطبيب محوراً للعملية العلاجية. ويعد التقدّم التقني بأن يصبح المريض هو المحور في تلك العملية. وبدأت السوق تشهد تدفقاً لجيل جديد من أجهزة تشخيص الأمراض، التي نجمت عن اندماج علوم الجينوم وتكنولوجيا المعلوماتية. ويستطيع جهاز صغير تحليل عينة دم وإرسال النتيجة الى الطبيب عبر الخليوي. في هذا السياق، نجح فريق علمي في «معهد ماساشوستس للتقنية» أخيراً، في استعمال أنابيب النانو ل «إلقاء القبض» على خلايا السرطان، حتى لو تعلّق الأمر بخلية خبيثة مُفردة. ويشير تعبير «أنابيب النانو» إلى نوع من التراكيب التي تتألف من ذرات تتراصف مع بعضها ضمن مسافة تقاس بكسر من النانومتر، أي جزء من المليون من الملليمتر. وفي هذا الصدد، صرّح البروفسور برايان واردل، من «معهد ماساشوستس للتقنية» بأن فريقه توصّل لصنع أنابيب نانو مُكوّنة من ذرّات الكربون يمكن توجيهها كي تتعرّف الى خلايا السرطان، ثم تلتصق بها، حتى لو كان عدد هذه الخلايا لا يزيد على خلية مُفردة. وأشار واردل إلى أن هذا الأمر يرفع من كفاءة علاجات السرطان، لأنه يعطي الأطباء القدرة على التدخّل في مراحل مبّكرة من هذا المرض القاتل. وذكّر واردل بأن تسعين في المئة من وفيات السرطان تحصل بسبب التشخيص المتأخر للأوارم الخبيثة، خصوصاً في العالم الثالث. وبيّن أن الفريق عمل على تطوير أداة صنعها الفريق عينه قبل 4 سنوات. وتتكوّن هذه الأداة من عشرات الآلاف من أنابيب السليكون المنبثّة في وسط مائع. ويحتوي هذا الوسط أيضاً على أجسام مُضادة لخلايا الورم السرطاني. ويذكّر هذا الأمر بالعلاقة التفاعلية بين الخيال العلمي والإنجازات التقنية. فعام 1966، أطلقت هوليوود أحد أشرطتها الكلاسيكية في الخيال العلمي: «الرحلة العجائبية» (إخراج: ريتشارد فليتشر)، الذي رسم ديكوراته الرسام السوريالي الشهير سلفادور دالي. وتخيّل هذا الشريط إرسال غواصة فائقة الصغر تحمل فريقاً طبياً، لتجوب في جسم مريض سعياً لإنقاذ حياته. وحينها، نُظر الى الفيلم باعتباره الحدّ الأقصى للخيال العلمي. وبعد قرابة نصف قرن، لم تصل التكنولوجيا الى هذا المستوى، لكنها تقترب منه بخطى حثيثة. وقبل فترة وجيزة، بعد عقود من شريط هوليوود وأخيلته استطاع علماء في معهد ستانفورد للبحوث في كاليفورنيا، صنع إنسان آلي (روبوت) يجري الجراحات بمهارة عالية وسرعة فائقة في ميدان المعارك الحربية. ولعل أشهر إنسان آلي يجري عمليات جراحية دقيقة راهناً هو دافنشي، الذي يمثّل نموذجاً مبشراً بأجيال من الروبوت أصغر حجماً بكثير يمكن أن يقوم بعمليات جراحية كاستئصال الأورام. ويطرح ذلك سؤالاً مثيراً عن قرب انتهاء عهد الجراحين المهرة الذين يتكلّفون، في العادة، أموالاً كثيرة. وربما أدى استبدالهم بالروبوت الى توفير أموال طائلة على موازنة الرعاية الصحية. وفي الإطار عينه، تجدر الإشارة الى مجالات أخرى شرعت تقنية النانو في ترسيخ أقدامها فيها. وإذ تشكّل النواة قلب الذرّة، يهتم صُنّاع التقنيات النانوية المتصلة بالغلاف الجوي، بمواصفات النواة. ويجرون عليها بحوثاً متصلة. وبالنسبة للبيئة، تمكّن دراسة الأنوية من رصد التغيّرات كيماوياً في الغلاف الجوي والتعرّف الى تركيب السُحب القطبية في طبقات الجو العليا، مثل الستراتوسفير، وكذلك الحال بالنسبة للأمطار الحمضية وتلوّث الهواء وسبر إمكان تواجد أشكال من الحياة في الكواكب البعيدة وغيرها.