باتت السعودية في طليعة الدول العربية والإسلامية في ميدان علوم وتقنيات وتطبيقات النانو. ويعتبر "معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث التقنيات متناهية الصغر(النانو)" المعروف باسم "معهد الملك عبد الله لتقنية النانو" الذي استحدث في جامعة الملك سعود النواة الأساسية لمعهد يهتم بعلوم النانو. ويكمن مخطّطه المستقبلي في "تطوير أبحاث وتقنيات النانو والصناعات المرتكزة عليها، وتوثيق الشراكة بين الجامعة والقطاعات المختلفة ذات العلاقة، بهدف الإسهام في بناء اقتصاد وطني مبني على المعرفة"، فضلاً عن "مبادرة تقنية النانو الوطنية" في المملكة، وما تقوم به أرامكو السعودية أيضاً على هذا الصعيد. في هذا السياق يطلّ علينا الإصدار الخامس في سلسلة كتب "معارف" التي تصدرها مؤسّسة الفكر العربي شهرياً، بكتاب علميّ هذه المرّة، يتناول فيه مؤلفه محمود برّي موضوعاً لا يزال جديداً، وهو النانوتكنولوجي. "نانو" كلمة مشتقة من الّلفظة الإغريقية "نانوس" ومعناها القزم. ويهتمّ العلم الذي اكتسب اسمه من هذا الاشتقاق بالمقاسات الصغيرة للمواد، وبما أن المواد تتكوّن من ذرّات، فهو يهتم بقاماتها ، وبمقاسات مكوّناتها الذرّية. يعرّف الكتاب بتكنولوجيا النانو أو "النانوتكنولوجي"، بوصفه تطبيقاً علمياً يتولّى إنتاج الأشياء عبر تجميعها من مكوّناتها الأساسية الصغرى، مثل الذرة والجزيئات، استند مؤلف الكتاب إلى مقولة عالم الفيزياء البريطاني البروفسور "ستيفن ويليام هوكنغ" وهي أن "الخيال العلمي اليوم، غالباً ما يصبح حقيقة علمية غداً"، للإشارة إلى قدرة العلم بعامة، وعلم النانوتكنولوجي بخاصة، على إزالة الحدود بين الحقيقة والخيال، وعلى جعل العجيبة واقعيّة أيضاً. أما الكتاب فيعطي الأمثلة الكثيرة عن السلوك النانوي الذي يضاعف بشكل جنوني احتمالات التقدّم والتطور والإنجاز في شتى ميادين العلوم والصناعة، من الطبّ والصحة إلى البيئة والتجارة والاقتصاد، ومن الزراعة والغذاء إلى الشؤون العسكرية والإنشائيّة، ومن تكنولوجيا المعلومات إلى ميادين الطاقة والمواصلات وغزو الفضاء وغيرها من خصائص لم تكن معروفة قبل عصر النانو الذي يفتح باب الحضارة العالمية بقوّة على المستقبل. وتحت عنوان "العجائب الواقعية للنانوتكنولوجي" يلقي المؤلف الضوء على ما تحقق من خلال تقنية النانو، وما هو في سبيله إلى التحقق من إنجازات في الميادين الطبية، مثل الحديث عن بناء روبوتات نانوية وحقنها داخل الجسم لاستكشاف الحالات المرضية ومراقبة الحال الصحية ومعالجة ما يتطلب العلاج، ناهيك بأجيال الدواء النانوية التي ستجعل كلّ خزائن الأدوية الحالية مجرد نفايات للتلف. فالدواء سيصبح قادراً على الوصول تحديداً إلى الخلايا المريضة بدقة نانوية لا مجال فيها للخطأ، في حين أن الأدوية التقليدية لا تفرّق بين الخلايا المريضة وتلك السليمة مثلاً. وبما أن للنانوتكنولوجي أيضاً، وعلى الصعد كافة، حدّاً إيجابياً وآخر سلبياً، يتساءل برّي:" هل نترك لمخاوفنا أن تقودنا خارج الدائرة، تجنّباً للوجه السلبي، أو نعقل ونتوكّل ونقدِم أملاً بالفوز بالجانب الإيجابي؟".