يخطو معرض جدة للكتاب خطوة مغايرة لكل معارض الكتب التي تشهدها العواصم العربية، وهي عدم تنظيم ندوات أدبية وفكرية على هامش المعرض، وبالتالي عدم حضور شخصيات أدبية وفكرية بارزة يمكن أن تضيف للمعرض، من ناحية المشاركين والحضور. لكن هل هي خطوة إيجابية، باعتبار معرض الكتاب يفترض أن يستقطب شرائح مختلفة قد لا تكون الثقافة ولا الأدب أو الفكر اهتماماً أصيلاً لها وبالتالي حصر مناشط المعرض في مجالات محددة، أم هي خطوة جانبها الصواب، فمعرض يعنى بالكتاب لا بد أن يحضر فيه مؤلفون بارزون يتحدثون عن الكتابة وأحوالها. عدد من الكتاب تحدثوا ل«الحياة» عن غياب الفعاليات الفكرية والأدبية عن المعرض. أوضح الدكتور زيد الفضيل قائلاً: «من واقع تجربة وتنظيم معرضين للكتاب، أحدهما بالرياض عام 2014 والآخر تمثل بالنسخة الأولى من عودة معرض جدة للكتاب عام 2015، يمكنني الجزم أن البرنامج الثقافي المصاحب للمعرض هو من أصعب القضايا الثقافية خلال أيام المعرض، إذ مهما بلغ اجتهاد القائمين على ذلك وحرصهم الشديد على التنوع فلن يصلوا إلى إرضاء جميع المنتمين للمشهد الثقافي، الذين تتباين كفاءتهم الثقافية أيضاً وهو مناط الاختلاف والتباين في الرأي من أي فعالية»، مشيراً إلى أن فعاليات معرض جدة لهذا العام، مناسبة من ناحية «التنوع والفقرات واستقطاب الوجوه الشبابية الجديدة. على أن ذلك وعلى رغم أهميته وضرورته يتوافق مع المرحلة، لكنني أخشى ألا يتم التقيد بمعايير الاختيار الثقافية الأصيلة، وهو إشكال ابتلي به مشهدنا منذ زمن، وكان له أثره السلبي عليه، ولهذا ومع النظر إلى بعض الأسماء الواردة في البرنامج أجدها بين المجهول أو المزيف»، مؤكداً إيمانه أن «المزيف هو أخطر ما يجب أن يواجهه مشهدنا بحزم وعزم، ذلك أنه لم يعد مقبولاً أن يتسنم ذرى العمل في إدارات العمل الثقافي من اتسم بالزيف ورضي أن يوصف به، كأولئك الذين أضافوا لأنفسهم ألقاباًَ وهمية، أكاديمية وثقافية». وذكر الفضيل أن «الكارثة تكمن حين نرى بعضهم مستضاف في المعرض وبلقبه المزيف، ذلك ما يؤدي إلى تراكم الإحباط في نفس كل مثقف يرجو أن يكون صادقاً، فتراه يخفف عن نفسه، بتكرار مقولة سعد زغلول باشا حين قال لزوجه (ما فيش فائدة يا صفية)، فهل يسعنا ما وسعه لمدارات أنفسنا، ليت وزير الثقافة يجيبنا على ذلك». أما الدكتورة مشاعل العتيبي فترى أن «التغيير السنوي في إدارة اللجنة الثقافية لمعارض الكتاب ظاهرة صحية تضمن إتاحة الفرصة لكل فكرٍ أو مدرسة ثقافية لتشارك في وضع الإطار العام، لما يمكن أن تتضمنه الأنشطة والفعاليات الثقافية المصاحبة لمعارض الكتاب، إلا أن محاسن هذا التغيير السنوي لا تحجب مخاطره، فقد يميل فريق كل الميل للابتعاد عن الصورة المتعارف عليها في حرص منه على أن يتميز ولو كان ثمن هذا التميز إقصاء جانب أدبي كامل كان رواد المعارض يقصدونها حرصاً عليه. والحقيقة بقدر سعادتي بالأسماء التي تدير النشاط الثقافي لمعرض جدة للكتاب في هذا العام إلا أن الجدول جاء «مختلفاً» فقط، من دون أن يظهر لي فيه هدفٌ أكثر من الرغبة في الاختلاف عن الأعوام السابقة والتخلص من جلباب كل فكرة قديمة ولو كانت ناجحة». و قالت العتيبي: «من يقرأ البرنامج قراءة عامة سيلاحظ تشابهاً كبيراً بينه وبين فعاليات «شائعة» في الآونة الأخيرة تعتمد على «المشاهير» واستقطاب الشباب والأسماء «اللامعة» في وسائل التواصل، وفي ذلك تحويل لمعرض الكتاب من كونه تظاهرة ومؤتمراً ثقافياً أدبياً إلى مهرجان ثقافي عام يصلح أن يكون قريناً لأية مناسبة أخرى، أو حتى أن نجعل المعرض هو «المصاحب» لهذه الفعاليات بدلاً من أن تكون هي في ظل قيامه وصدى انعقاده». وعد الدكتور أحمد الهلالي معرض الكتاب «تظاهرة ثقافية مهمة لأنها نافذة تستقطب شرائح اجتماعية واسعة، ومن الجميل أن تكون منصة إشعاع ثقافية وفكرية وفنية، وقد اجتهد القائمون على معرض جدة 3 بتنويع البرنامج الثقافي بين الفن والثقافة، وغاب الجانب الفكري، فلم أحظ بعنوان فعالية مهمة في هذا الجانب، والمؤسف أن البرنامج أوغل في الماضوية، «تجارب وذكريات» ولم يتحرك إلى الجانب الاستشرافي للمستقبل، سواء في مستقبل الثقافة السعودية حسب رؤية المملكة 2030 وإنشاء الهيئة العامة للثقافة، لو باستضافة أمينها العام لفتح نافذة حوار بينه وبين المثقفين، وبحث مجالات الاقتصاد المعرفي، أو باستشراف مستقبل الكتاب الورقي في عالم يتحرك بسرعة هائلة نحو (رقمنة) كل شيء، ففي نظري أن هذا المحور على جانب كبير من الأهمية، وبخاصة في حضور مئات دور النشر، وكساد الصحف الورقية، وتحول الكثير من دور النشر العالمية إلى إصدار الكتاب الرقمي، وتيسير وصوله إلى القراء عبر الإنترنت وتداوله عبر منصات التواصل الاجتماعي». وقال الهلالي: «ليس دور برامج معرض الكتاب التسويق للقراءة؛ لأن كل من يزور المعرض قارئ يقدر قيمة الكتاب (أصلاً)، وهذا دور المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تحفز المجتمع إلى هذا الأمر، ولا أظن دوره ترفيهيا، أيضاًَ، بل يجب أن يكون دوره حول صناعة الكتاب (تأليفاً وطباعة ونشراً) سواء بالطرق التقليدية أم بالطرق الرقمية الحديثة، وكذلك مناقشة محتوى الكتب والغوص في مكنوناتها الفكرية بعيداً عن ملء الخانات بالعناوين من دون التفكير في محمولاتها وقيمتها الفكرية على المتلقين». ويعتقد الشاعر عبدالرحمن سابي أنه «لم يعد تقديم الكتاب للقارئ هدفاً رئيساً من أجله تقام معارض الكتاب، بل غدا ذلك مطلباً ثانوياً ينظر له المنظمون في ظل البحث عن حراك ثقافي ترفيهي يمكنه تحقيق أهداف عدة يكون للممارسة الربحية الجزء الأكبر عند المنظم والمشارك على سواء، ما يوجب حفز الزائر (وهو المقصود بالحكاية كلها) على الوجود والقيام بالنتيجة المرجوة منه»، مشيراً إلى أن للبرنامج الثقافي كغيره من البرامج الأخرى «نصيبه من عملية الجذب، وهو حق مشروع قادر على كسب الرهان متى ما كانت البلورة له تسير في نسق معرفي سليم يقوم على الوعي في النوع والكم من خلال تلك البرامج وفعاليتها، وهذا يستدعي وجود العارفين بالشأن الثقافي المحلي والعربي والعالمي وتقديم رؤية محفزة لوصول رغبات المعني بالأمر إلى ردهات ذلك البرنامج الثقافي والتفاعل بشتى صوره. ولن يكون لهذا المطلب مكان ولا زمان إلا إذا كان القائمون عليه على دراية بالطرق المثلى لتقديمه نوعاً ومكاناً وزماناً، وهذا بالنسبة لي يعد أمراً شاقاً وشقاء في ظل تضاد بعض البرامج الثقافية الممارسة مع بعضها في أحايين كثيرة، بل وعدم نفعيتها وقربها من الشكلانية في حالات عدة، ولكنه يظل حالاً إيجابية». ويقول الروائي عواض العصيمي: «أظن أن الإكثار من الندوات والأمسيات الأدبية يحول معرض الكتاب إلى نشاط أدبي أكثر من أي نشاط آخر، وكذلك الأمر مع منح الدراسات النقدية مساحة ووقتاً أكثر، ما تحتمل هذه التظاهرة الثقافية التي يفترض أن تستوعب كل مكونات المجتمع بما يجعله ليس أدبياً خالصاً، ولا ثقافياً نخبوياً لا يحضره إلا قلة من الزوار، وإنما يجعله مقصداً للباحث عن الكتاب والمسرح، بالقدر نفسه مع الباحث عن متنفس يجمع بين الثقافة والترفيه، وهذا في رأيي أقرب إلى المعرض الثقافي الترفيهي المتخفف من صرامة الأمسيات الأدبية والأوراق النقدية المحصورة في معاشر المثقفين والأدباء. ولعل معرض جدة عبر موسمه الحالي هدف إلى جعل المعرض مقصداً لكل مكونات المجتمع كما ذكر رئيس اللجنة الثقافية الناقد حسين بافقيه في أحد تصريحاته».