أعادت محطة «انفينتي» الفضائية أخيراً عرض فيلم «أحلام» للمخرج الياباني الراحل أكيرا كوروساوا. تبدو المحاولة هنا وكأنها تأتي في سياق العروض المهمة التي تحرص عليها هذه الفضائية بين الفينة والأخرى أسوة بفضائيات كثيرة تبحث عن أفلام بمستويات فنية وجمالية عالية. لكنّ مشاهدة أحلام كوروساوا تكفي لتتحول غالبيتها إلى كوابيس تتعلق بالرعب النووي بالدرجة الأولى إذا استثنينا بعض الأحلام الوردية الجميلة من الفيلم، وبخاصة الحلم الأخير المسمى «قرية الطواحين المائية». كوابيس تظل شاهدة على الرعب الذي كان يعيشه كوروساوا نفسه في سنواته الأخيرة، وقد ترافقت مع كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي التي يمر عليها ربع قرن هذه الأيام منذ وقوعها عام 1986. بالطبع قد يبدو مهماً في هذا السياق الإشارة إلى كارثة مفاعل فوكوشيما النووي الياباني الذي تعيش بلاد الشمس تداعياته الآن، وقد أحيلت درجته الكارثية لتتساوى مع تشيرنوبل، الانفجار الأقوى في التاريخ لجهة مخلفاته الخطيرة على البيئة والإنسان، وهو ما ذكّر ربما بعرض فيلم كوروساوا في هذا التوقيت بالذات، وفتح نقاشات دائمة بين المواطن الياباني وحكومته حول خطورة وجود مثل هذه المفاعلات في بلاد تترنح يومياً على وقع الزلازل والكوارث الطبيعية. ما يبدو مهماً هنا ليس درجة الثقة المتبادلة بين هذا المواطن وتلك الحكومة التي لا ترقى إليها – ربما – أي علاقات أخرى بين مواطنين مقيمين على الكوكب وأي حكومات أخرى. هذا ما تبلغ به إخباريات فضائية على مدار الساعة وهي ترسل بتقاريرها من أماكن الحدث، وهذا ما يشاع عادة عن اليابان والمواطن الياباني، وهو أمر مستحسن، إذ يلعب دوراً مهماً في إمكانات البحث عن حلول جذرية للكارثة البيئية المتفاقمة والتي ستترك تأثيرات وتداعيات شتى على مجمل كوكبنا الأرضي. في «جبل فوجي بالأحمر»، الحلم السادس في الفيلم هناك تنبؤ بنذر الكارثة النووية، حين ينفجر المفاعل النووي عند الجبل ويصهر كل شيء من حوله باللون الأحمر القاني، ويصاب الناس بالذعر، ويفرون جماعات إلى المحيط، أو إلى الجهة المعلومة الوحيدة المتبقية أمامهم، ويبقى أمامنا في المشهد رجل وامرأة تحمل ولديها، ورجل آخر متورط في «اللعبة النووية» هو عالم نووي يجيد وصف الرياح النووية وتأثير كل نوع منها على صحة الإنسان وعلى الطبيعة الحية كما سنراها في الحلم السابع المسمى «الشرير الباكي»، وفيه تنبت قرون للبشر ترفع من قدرهم كلما زاد عددها في رؤوسهم، لكنّ ألمها أبدي لا يزول. باختصار، فيلم لا يحوي حوارات كثيرة، يُبث تلفزيونياً، ويحكي عن بعض هلوسات الإنسان في نهايات القرن العشرين، يُشكل من دون شك مغامرة محسوبة لمحطة «انفينتي».